في ظل ازدحام خانق بات علامة مسجلة في شوارع المدن المغربية الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس ومراكش، لجأ آلاف الشباب إلى حل عملي وذكي: الدراجات الكهربائية أو ما يعرف بـ”التروتينيت“.
وسيلة تنقل فردية، سريعة، وصديقة للبيئة، أصبحت مشهدًا مألوفًا في الطرقات، خاصة في العاصمة الاقتصادية، حيث تجاوزت إطار الترفيه لتتحول إلى خيار يومي للهروب من جحيم حركة المرور واختلالات النقل العمومي.
من موضة حضرية إلى نقاش قانوني
ما بدأ كتجربة حضرية محدودة، سرعان ما فرض نفسه كبديل عملي، خصوصًا مع تراجع جودة خدمات النقل العمومي التي تتحول في ساعات الذروة إلى علب سردين متحركة.
لكن هذا الزخم لم يمرّ دون جدل، خاصة بعد قرار حكومي بإدراج “التروتينيت” ضمن مدونة السير، ما أعاد فتح النقاش حول الإطار القانوني، مدى جاهزية الفضاء الطرقي، وكفاءة مستعملي هذه الوسيلة الجديدة.
سلامة الطرقات… الحلقة الأضعف؟
دحان بوبرد، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات وأرباب مدارس تعليم السياقة، عبّر عن تخوفه من أن يتحول هذا القرار إلى عامل فوضى مرورية إضافية بدل أن يكون خطوة نحو التنظيم، قائلاً:
“من غير المعقول السماح باستعمال وسيلة تتجاوز سرعتها 25 كلم/س من طرف أشخاص لا يملكون أي تكوين في قانون السير، ولا يضعون خوذات واقية، بل يجهلون أبسط قواعد التشوير الطرقي.”
وأضاف أن غياب التكوين الإجباري والتأمين قد يؤدي إلى ارتفاع محتمل في حوادث السير، داعيًا إلى إلزام مستعملي هذه الوسائل بدورات تحسيسية حول السلامة الطرقية.
الإطار القانوني يتقدم… والبنية التحتية تتأخر
من جهته، حذر مصطفى شعون، الأمين العام للمنظمة الديمقراطية للنقل، من غياب تام لتهيئة الفضاء الطرقي المناسب لاستيعاب هذا النوع من وسائل النقل، مؤكدًا أن تنزيل المقتضيات القانونية سيكون ناقصًا دون ممرات خاصة، ومقاربة تشاركية تشمل الجماعات المحلية.
“في أوروبا، يتم تسيير التروتينيت على الأرصفة والممرات المخصصة للدراجات، لكن في المغرب لا توجد بنية مؤهلة لذلك، باستثناء بعض المبادرات المتفرقة في مدن الشمال.” – يضيف شعون.
نقاش مشلول ومقاربة أحادية؟
بدوره، يرى مصطفى لكيحل، الأمين العام للاتحاد المغربي الديمقراطي للشغل، أن النقاش الدائر حول “التروتينيت” لا يجب أن يُغفل المعضلات الحقيقية المرتبطة بالدراجات ثلاثية العجلات، التي تحصد أرواح المواطنين بشكل شبه يومي.
وأشار إلى أن وزارة النقل واللوجستيك تتعامل مع الموضوع بشكل انفرادي وترقيعي، دون رؤية استراتيجية أو إشراك حقيقي للفاعلين في الميدان.
اعتراف قانوني لا يكفي… بل قد يضاعف الأزمة
رغم أن إدراج “التروتينيت” ضمن مدونة السير يُعد خطوة أولى نحو تنظيم قطاع ناشئ، إلا أن الأمر لا يجب أن يُختزل في القوانين فقط، بل يستدعي تهيئة حضرية، تحسيس مجتمعي، وتنسيق بين القطاعات.
فالسماح بوسائل جديدة في فضاء غير مهيأ لا يخلق حلولًا، بل يُفاقم فوضى التنقل الحضري، ويُضيف مزيدًا من الضغط على طرقات اختنقت أصلًا.