إعداد: نبيل أخلال
في كل سنة، وعلى بُعد يوم من عيد الأضحى، تنبض الجماعة القروية شقران بالحياة.
تتحوّل هذه البلدة الريفية الواقعة بإقليم الحسيمة إلى وجهة روحية واجتماعية بامتياز، تستقبل زوارًا من كل مناطق الريف للاحتفال بموسم “سيدي بوخيار” الذي يتجاوز الطقوس ليجسّد علاقة وجدانية بين الأرض والإنسان، والروح والذاكرة.
جبل حمّام… مزار على ارتفاع المعنى
فوق قمة جبل حمّام يرقد الولي الصالح سيدي بوخيار.
هو أكثر من ضريح، إنه فضاء تتشابك فيه الرواية والأسطورة، التراث والتدين الشعبي.
الزوار يصعدون الجبل بأمل وطمأنينة، وكأنهم يبحثون عن لحظة صفاء روحي لا يمنحها إلا هذا المكان العالق بين الأرض والسماء.
موسم بوخيار.. بين السوق والدعاء
ما إن ينطلق الموسم، حتى يتغيّر إيقاع القرية.
يتحول الموقع إلى فضاء جماعي نابض، حيث يُقام سوق تقليدي تعرض فيه المنتجات المحلية، وتُعقد اللقاءات، وتختلط روائح الأعشاب والبهارات بأصوات الباعة والزوار.
لحظة احتفاء جماعي توحّد الناس حول طقوسهم، وتعيد إحياء الروابط الاجتماعية بين الأسر والقبائل.
“حج الفقراء”… روحانية في متناول الجميع
يُعرف موسم سيدي بوخيار بـ”حج الفقراء” – ليس تقليلاً من قيمته، بل تعبيرًا عن عمقه.
هو حج للقلوب الباحثة عن الطمأنينة، للأرواح المتعبة التي وجدت في هذا الضريح معنى القرب من الله، دون سفر أو مشقة.
إنه حج رمزي يلبي نداء الحاجة إلى الإيمان والانتماء.
تقاليد لا يبدّدها الزمن
رغم تغير الزمن وسرعة العصر الرقمي، يظل موسم “سيدي بوخيار” حاضرًا بقوة في وجدان سكان الريف.
هو تقليد حيّ، يعكس صمود الثقافة المحلية في وجه النسيان.
موسم تتوارثه الأجيال، ويشكّل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الروحية والثقافية للمنطقة.
المزار الذي يوحّد الزمان والمكان
ليس سيدي بوخيار مجرد اسم ضريح فوق جبل، بل رمز عميق لمكان يختزل الذاكرة الجماعية، ويعيد رسم العلاقة بين المقدس واليومي.
إنه تقاطع فريد بين الدين والمجتمع، حيث تتداخل الطقوس بالحنين، والزيارة بالاحتفال، والهوية بالانتماء.
