في الوقت الذي تنعم فيه مدن المغرب الكبرى بسرعة “البراق” وربطٍ جوي لحظي مع العواصم العالمية، ما زالت جهة الشرق تُسافر في اتجاه مغاير… ليس فقط جغرافيًا، بل زمنيًا.
صورة من محطة الدار البيضاء، عند منصة قطار متجه إلى وجدة، تختصر معاناة: قطار ليلي يُجبر الركاب على المبيت إجباريًا، لا حبًا في السفر الليلي، بل لأن الزمن في الجهة الشرقية أبطأ، وكأن المسافة بين الرباط ووجدة تُقاس بالعقود لا بالكيلومترات.
وجدة في الترتيب المؤجل: مطارات تؤخر الرحلات وعدالة تنتظر الإقلاع
المفارقة لا تقف عند السكك الحديدية. ففي مطار الدار البيضاء، تتكرر القصة ذاتها، بصمت لا يزعج أحدًا.
ساعات انتظار لرحلات وجدة، دون تفسير، وغالبًا ما يكون الجواب جاهزًا:
“الطائرة التي كانت مخصصة لوجهات مثل مراكش أو الداخلة تعطلت، فاستُبدلت بطائرة وجدة… انتظروا، أنتم معتادون.”
هكذا، ببساطة، يُهمَّش الشرق، وتُؤجَّل أولوية أبنائه، وكأن الانتظار قَدر لا يُناقش. فهل هذا هو “العدل المجالي” الذي تحدّث عنه دستور 2011؟ وهل هذا ما بشّر به الخطاب الملكي التاريخي بتاريخ 18 مارس 2003 حين اعتبر الجهة الشرقية أولوية وطنية للتنمية؟
القطار لا يصلح وحده، والطريق السيار لا يكفي
صحيح أن الطريق السيار كان إنجازًا نوعيًا فكّ العزلة عن الجهة، ضمن المشاريع الكبرى لملك البلاد، لكنه لا يجب أن يُستعمل كذريعة لتجميد باقي الأوراش. فالأمل معقود على مشاريع ضخمة كميناء الناظور، لكن لا تنمية حقيقية دون عدالة في البنية التحتية.
الجهة الشرقية لا تطلب امتيازًا، بل حقًا أساسيًا:
- حق في قطار يحترم الزمن والتكنولوجيا الحديثة
- حق في رحلات جوية لا تُلغى بصمت
- وحق في تنمية عادلة لا تؤجل دائمًا
وجدة ليست محطة نسيان… بل جسر للتوازن الوطني
وجدة ليست مدينة هامشية، بل مدينة حضارة، تاريخ، وحدود مفتوحة على المستقبل. تستحق أن تكون جزءًا من المعادلة الوطنية، لا مجرد تذييل في تقارير التنمية.
فلا عدالة وطنية دون عدالة مجالية، ولا مواطنة كاملة دون احترام الزمن، والكرامة، والمساواة في الخدمات.
الانتخابات تقترب؟ جميل. لكن لا نريد شعارات موسمية. نريد التزامًا دائمًا… وزمنًا يُعامل أبناء الشرق على أنهم مواطنون كاملون، لا مجرد ركاب في قطار مؤجل.