إدريس اسلفتو – ورزازات
أيت بن حدو… القصر الذي يتحدى الزمن
على بعد ثلاثين كيلومتراً من ورزازات، يقف قصر أيت بن حدو كتحفة طينية شاهدة على عبقرية الإنسان في مواجهة قسوة المناخ وعوادي الزمن. قصبة ضاربة في التاريخ، استطاعت أن تحافظ على هيبتها بفضل أجيالٍ من سكانها الذين رمموها كلما دعت الحاجة، حتى صارت اليوم واحدة من أبرز رموز الجنوب الشرقي للمغرب.
من قرية طينية إلى تراث عالمي
في عام 1987، منحت منظمة اليونسكو للقصر شرف الانضمام إلى قائمة التراث الإنساني العالمي، وهو اعتراف لم يأتِ من فراغ. فهندسته الفريدة، وأزقته المتعرجة، ومسجده ومخزنه الجماعي، كلها عناصر تختزن ذاكرة بشرية نادرة. السلطات المغربية بدورها صنفته موقعاً أثرياً وطنياً، ما يفرض قوانين حماية صارمة للحفاظ على ملامحه الأصلية.
القصر… مرآة حضارات وتفاعل الإنسان مع بيئته
يصف الباحث الأنثروبولوجي محمد بوصالح القصر بأنه “نموذج بارز لتفاعل الإنسان مع بيئته“، إذ شيّد فوق هضبة استراتيجية تطل على الوادي والأراضي الزراعية، ما وفر له أسباب الحياة والأمن معاً. وكان القصر محطةً رئيسية على طريق القوافل التجارية بين الصحراء ومراكش، وموطناً لعشرات الأسر قبل أن يقل العدد إلى تسع فقط اليوم.
هجرة السكان… فراغ يهدد الذاكرة
رحيل أغلب سكان القصر نحو الضفة الأخرى من الوادي ترك فراغاً قاتلاً، جعل بعض أجزائه عرضة للخراب. ورغم تدخلات الترميم ما بين 1991 و2007 بتمويل من وزارة الثقافة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ما تزال الأمطار والرياح والضغط السياحي اليومي ـ حيث يزوره نحو 130 ألف سائح سنوياً ـ تشكل تهديداً مستمراً.
من موقع أثري إلى ديكور عالمي
لم يعد قصر أيت بن حدو ملكاً لسكانه وحدهم، بل تحول إلى أيقونة سينمائية عالمية. هنا صُورت مشاهد من “لورانس العرب” و”جوهرة النيل” و”المصارع” و”مملكة السماء”، لتتسع شهرة المكان من ورزازات إلى هوليوود.
سباق مع الزمن لإنقاذ التحفة الطينية
اليوم، يقود “مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بمناطق الأطلس والجنوب” مخططاً للحفاظ على القصر، بشراكة بين الجماعة والدولة واليونسكو والمجلس الدولي للآثار والمواقع. الهدف: إنشاء جهاز دائم لتسيير وتتبع القصر، يضمن حمايته من التآكل، ويوازن بين حاجات السياحة ومتطلبات الصيانة.
قيمة لا تُقدَّر بثمن
أيت بن حدو ليس مجرد طين مجفف بالشمس؛ إنه ذاكرة حضارية متكاملة، تجمع بين المعماري والثقافي والاجتماعي والروحي والبيئي. قصر لا يزال يقاوم، لكنه يحتاج إلى رعاية مستمرة حتى لا يتحول من أيقونة نابضة بالحياة إلى أثر صامت في كتب التاريخ.