بقلم حسين أزهر
في مشهد يثير الدهشة والتساؤلات، لم تستغرق الدورة الأخيرة لمجلس جهة الداخلة لشهر يوليوز سوى 35 دقيقة فقط، رغم جدول أعمالها الذي تضمّن 13 نقطة.
هذا الاختزال الفجّ في النقاش العمومي يعكس واقعًا مقلقًا يعيشه المجلس الجهوي، ويجسّد مظاهر التراجع في تدبير ملفات التنمية والالتفاف على مبادئ الجهوية المتقدمة.
دورة بلا نقاش… استهتار بالمسؤولية الدستورية
غياب النقاش والتداول خلال هذه الدورة، التي يُفترض أن تكون محطة محاسبة ومواكبة للبرامج الجهوية، يُعدّ ضربًا صارخًا لمضامين المادة 80 من القانون التنظيمي 14-111، والتي تنص بوضوح على دور الجهة في تنظيم وتتبع التنمية المندمجة والمستدامة داخل مجالها الترابي.
فأين نحن من هذا الدور حين تختزل الجلسات في أقل من ساعة؟
هل المنتزه الجهوي كان ضحية الصمت المؤسسي؟
من بين النقاط التي أثيرت بشكل لافت، قرار إلغاء الترخيص المالي الخاص بإنجاز المنتزه الجهوي، المعروف بـ”Autorisation Spéciale A/S”، وتحويل مبلغ يناهز 3 ملايير و820 مليون سنتيم إلى مشاريع أخرى في إطار ميزانية التجهيز، دون تقديم أي مبررات علنية.
فهل تم تكميم النقاش وتسريع المصادقة من أجل تمرير هذا القرار بهدوء؟
هل يُعقل إلغاء مشروع حيوي استُكملت دراساته الهندسية سنة 2019، وصفقة أشغاله سنة 2020، وتم الشروع في تثبيت لوحاته الإشهارية سنة 2023؟
التحيين المثير للريبة… وواجهة العقار في مرمى الشكوك
أحد الجوانب المثيرة للجدل يرتبط بـ”تحيين” عقد كراء عقار المنتزه الجهوي بين الجهة ودائرة الأملاك المخزنية، والذي صادق عليه المجلس في دورة يوليوز 2023، في سياق يُثير شبهة تغيير الغرض الأصلي للعقار وتحويل واجهاته إلى “شورومات” استهلاكية، بدل مرافق عمومية رياضية وثقافية.
فهل كان هذا التحيين مجرد غطاء لتفويت العقار لأغراض شخصية؟
وهل التفسير الذي قدمه رئيس المجلس حول “الالتزام القانوني” بالتحيين يحمل سندًا قانونيًا واضحًا؟ أم أنه مجرد مبرر سياسي لتغطية تحركات مشبوهة؟
تنمية مؤجلة… وأسئلة بدون أجوبة
قرار الإلغاء يطرح علامات استفهام حقيقية حول مستقبل مشروع كان يُفترض أن يُحوّل مدينة الداخلة إلى وجهة حضرية متكاملة، عبر توفير فضاءات خضراء وملاعب ومرافق عمومية لفائدة الساكنة.
فهل الداخلة لا تستحق منتزهًا جهويًا بمواصفات تليق بها؟
ولماذا صمت المجلس عن نقاش أسباب الإلغاء؟
وهل نحن أمام تصفية ممنهجة لمشاريع عمومية لفائدة مصالح ضيقة؟
سؤال الحوكمة: أين الشفافية؟ أين التشاركية؟
ما حدث في دورة 35 دقيقة لا يعكس فقط اختلالًا في تدبير الوقت، بل يكشف عن عمق أزمة في الشفافية والرقابة والمساءلة داخل المجلس الجهوي.
فحين تُلغى مشاريع ضخمة دون تبرير، وتُحول الاعتمادات المالية دون نقاش، وتُحيّن العقود دون عرض الأسس القانونية… نكون أمام أزمة ثقة حقيقية في مؤسسة يفترض أن تقود التنمية الجهوية لا أن تفرملها.