إعداد : حسين أزهر
في جهة الداخلة، تراكمت ملفات وُصفت سياسيًا بـ”البطاطس الساخنة” أو Las Patatas Calientes، في إشارة إلى قضايا شائكة يتفاداها المسؤولون، ويفضلون تمريرها إلى جهات أخرى للتخلص من تبعاتها الثقيلة. ومن أبرز هذه الملفات: مشروع المنتزه الجهوي، الذي تحول من حلم تنموي إلى نموذج صارخ عن سوء التدبير وشبهات الفساد.
عقار استراتيجي تحت رحمة الأطماع
يمتد عقار المنتزه الجهوي على مساحة 60 هكتار بالداخلة، موقع استراتيجي كان يُفترض أن يتحول إلى متنفس حضري وواجهة سياحية للمدينة. لكن، بدل أن يكون رافعة للتنمية، أصبح مسرحًا لأطماع منظومة الفساد التي تلاعبت بالأملاك العامة: من عقارات المخزن إلى تجزئات العمران، ومن الأحزمة الخضراء إلى ساحات المساجد.
محطة كهرباء بجوار المطار: تهور كاد يتحول إلى كارثة
بلغ الاستهتار حد محاولة تشييد محطة لتوليد الكهرباء وسط المنتزه وعلى مقربة من مدرج مطار الداخلة. خطوة وُصفت بالتهور غير المسبوق، لما تحمله من مخاطر على سلامة الرحلات الجوية، بسبب الانبعاثات الملوثة والدخان والغازات التي قد تحجب الرؤية عن الطيارين، فضلًا عن احتمالات الحرائق والتقلبات الجوية الناجمة عن الحرارة.
بلدية الداخلة، بقيادة الحاج أصلوح الجماني، تصدت حينها لهذا المشروع، مانعةً كارثة عمرانية وإنسانية كانت ستهدد عصب التنمية بالمدينة: النقل الجوي.
وعود التنمية… ومشروع ظل مؤجلاً
في إطار برنامج التنمية الجهوية (PDR 2016-2022)، استفادت جهة الداخلة من حيازة العقار لإنجاز مشروع المنتزه الجهوي.
في 23 نونبر 2020، أُنجزت صفقات الشطر الأول (22 هكتارًا):
- 360 مليون سنتيم لمكاتب الدراسات الهندسية والتقنية.
- 16.8 مليون سنتيم لمراقبة وتتبع الأشغال.
- 8.798 مليار سنتيم لشركة البناء المكلفة بالإنجاز.
المدينة كانت تترقب منتزهًا يضم مساحات خضراء، ملاعب قرب، فضاءات للأطفال، مرافق ترفيهية ومتحفًا، ليعيد التوازن لمدينة شوهتها العشوائية العمرانية، ويقوي جاذبية الداخلة السياحية.
من الحلم إلى شبهة الفساد
لكن، ومع نهاية سنة 2022، اصطدم الرأي العام بواقع مختلف: المشروع ظل مؤجلاً، بينما كشفت المعطيات عن عمليات فساد وعبث كبرى مست الواجهات الجنوبية والغربية لعقار المنتزه، يُتهم فيها “الثلاثي المتحكم” في دواليب الجهة.
هكذا تحول مشروع كان يُفترض أن يكون رمزًا للأمل والتنمية، إلى ملف آخر من “البطاطس الساخنة”، يكشف عمق أزمة الحكامة والشفافية بالجهة.