في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، نشرت صحيفة “الأيام” في عددها الأسبوعي ملفًا بعنوان “فضيحة حقوقية تؤسس لمجلس جنائي للصحافة بالتعيين”، في إشارة مباشرة إلى مشروع قانون قدمته وزارة الاتصال لإعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة، وسط غياب الحوار وتكريس لمنطق التحكم.
دعم الصحافة يتحول إلى دعم انتخابي!
الحسن عبيابة، وزير الاتصال الأسبق، لم يُخف قلقه من المشروع، واعتبره مخالفًا لجوهر الدستور المغربي، خاصة المادة 28 التي تضمن حرية الصحافة وتدعو إلى تنظيمها على أسس ديمقراطية.
وأكد أن اعتماد “الانتداب” للناشرين مقابل “الانتخاب” للصحفيين يكرّس التمييز، ويحوّل الدعم المالي إلى ورقة انتخابية لاختيار الممثلين داخل المجلس.
مشروع ينضح بالتراجعات ويفرض منطق الرأسمال
مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الأسبق، وصف المشروع بأنه يضرب مبدأ المساواة، ويمثل انتكاسة حقيقية من خلال فرض ازدواجية انتخابية وعقوبات زجرية تمس بحرية التعبير.
كما انتقد إدخال رقم المعاملات كشرط للمشاركة في المجلس، محذرًا من هيمنة الرأسمال بدل الكفاءة المهنية.
العمق الديمقراطي مفقود… والنوايا مكشوفة
نبيل بنعبد الله، الوزير الأسبق، ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن النص الحالي يفضح النوايا الحقيقية للحكومة: مزيد من التحكم في الحقل الإعلامي، والتضييق على الأصوات المستقلة، مقابل تمكين مؤسسات إعلامية مساندة من النفوذ والتأثير.
وهاجم تغييب التناوب على رئاسة المجلس، وفرض منطق الإقصاء والتبعية.
القانون يُقصي المؤسسات الدستورية ويكرّس الاحتكار
محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال السابق، أشار إلى أن مشروع القانون لا يراعي الأحكام الدستورية في تنظيم التمثيلية داخل المجلس، خاصة عبر استبعاد مؤسسات وازنة مثل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية واتحاد كتاب المغرب وهيئة المحامين.
كما انتقد إدراج تمثيلية المجلس الاقتصادي والاجتماعي، معتبراً أن الطابع الاقتصادي بات معياراً مقلقاً في ضبط المشهد الصحفي.
من وساطة مهنية إلى مؤسسة زجرية
الأعرج حذّر أيضًا من الطابع العقابي للمشروع، الذي خصص بابًا كاملاً للعقوبات، في مقابل مواد محدودة للوساطة والتحكيم.
أبرز ما اعتُبر تراجعًا خطيرًا هو منح المجلس صلاحيات تأديبية قد تصل إلى توقيف الصحف وسحب بطاقة الصحفي المهني، في خرق واضح لاستقلالية القضاء ودور المجلس كمؤسسة تنظيم ذاتي.
خلاصة: من تنظيم ذاتي إلى ضبط سياسي؟
تتقاطع آراء الوزراء الأربعة عند نقطة واحدة: مشروع القانون يمثل تراجعًا ديمقراطيًا خطيرًا، ويضرب التعددية في العمق.
فإذا كان التنظيم الذاتي للصحافة أداة لحماية حرية التعبير، فإن المشروع بصيغته الحالية ينذر بتحويله إلى أداة رقابة وتحكّم.
ويبقى السؤال الأهم: هل يُعيد البرلمان الاعتبار لصوت المهنيين والدستور… أم يترك الحقل الإعلامي رهينة لـ”التمثيلية المحسوبة” والمنطق الانتدابي؟