في سابقة غير معهودة، فجّرت صفقة تزويد مدارس “الريادة” بالكتب المدرسية موجة قلق داخل القطاع التربوي، بعد أن قاد التنافس المحموم بين الناشرين إلى تخفيضات غير مسبوقة في الأسعار، وصلت إلى مستويات تُهدد جدية الالتزام بالكميات والجودة المطلوبة.
4 دراهم فقط لكتاب الفرنسية.. صفقة رابحة أم قنبلة موقوتة؟
كشفت مصادر مهنية لـ”مدار21″ أن كتاب اللغة الفرنسية للسلك الابتدائي حُدد ثمنه بـ4 دراهم فقط، بعد أن نزلت العروض المقدّمة إلى 3,95 درهم للنسخة، بالرغم من أن سقف السعر الذي وضعته وزارة التربية الوطنية كان 14 درهمًا.
الكتاب الموجه إلى مدارس الريادة بات يعكس معادلة مربكة: كيف يمكن لثمن زهيد أن يضمن جودة تعليمية محترمة؟
كتاب العربية ينخفض من 31 إلى 11 درهمًا.. والنتائج “مُربكة“
الأمر لم يقتصر على الفرنسية، إذ انخفض ثمن كتاب اللغة العربية إلى 11,75 درهم فقط، بعد أن كان محددًا بـ31 درهمًا، رغم أن الكتاب يتكون من جزأين ويضم 304 صفحة، مما يطرح علامات استفهام كبرى حول استدامة هذا النموذج السعري الجديد.
لا حدّ أدنى للسعر.. والجودة في مهبّ الريح
أوضحت ذات المصادر أن الوزارة حددت سقفًا سعريًا دون تحديد الحد الأدنى، رغم أن لجنة مكوّنة من وزارات متعددة، بينها المالية والداخلية، هي التي صادقت على دفتر التحملات.
غياب هذا الحد الأدنى، بحسب المهنيين، يجعل الجودة سلعة قابلة للتفاوض في سوق تنافسي لا يرحم.
الكتبيّون مهددون بالخروج من المعادلة
من جهتهم، عبّر الكتبيّون عن تخوّفهم من تداعيات هذا الوضع، إذ أن هامش الربح من كتاب بـ4 دراهم لا يتجاوز 12 سنتيمًا، بينما تصل تكلفة نقل علبة تحتوي على 40 كتابًا من الدار البيضاء إلى 24 درهمًا، في حين لا تربح المكتبة منها سوى 36 درهمًا.
“كيف يمكننا الاستمرار؟”، تساءل أحد المهنيين، مؤكدًا أن الوضع بهذا الشكل يهدد مستقبل المهنة برمّتها.
السوق السوداء تستعد للانقضاض
في ظل هذه الخسائر المتوقعة، حذّر المهنيون من أن إحجام الكتبيين عن شراء الكتب بسبب ضعف الربح، سيترك المجال مفتوحًا أمام السوق السوداء، التي ستستغل الندرة لترفع الأسعار مجددًا، ليكون الخاسر الأكبر هو الأسرة المغربية.
500 مليون سنتيم خسارة لكل مستوى!
وفقًا للحسابات الأولية، قد تصل خسائر الفائز بالصفقة إلى 500 مليون سنتيم عن كل مستوى دراسي، خاصة مع اشتراط الوزارة توفير 350 ألف نسخة في كل مستوى. هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر بشأن قدرة الفاعلين على الالتزام بالكميات، ناهيك عن الجودة أو التوزيع في الوقت المناسب.
الوزارة: تفاجأنا ولكن لا يمكننا التدخل
أكدت المصادر أن الموضوع تم طرحه في اجتماعات مع وزارة التربية الوطنية، التي عبّرت بدورها عن مفاجأتها من الأسعار النهائية للصفقة، لكنها شدّدت على أنها لا تملك صلاحية التدخل حاليًا، ما دامت العروض مرّت وفق المساطر القانونية المعتمدة.
دعوات لافتحاص شامل وتقييم حقيقي
في ختام هذا الجدل، دعا المهنيون إلى ضرورة إجراء افتحاص شامل للناشرين الذين استفادوا من صفقات الكتب المدرسية خلال العقدين الماضيين، مؤكدين أن الأسعار الحالية “لا تعكس الواقع”، وإذا كانت قابلة للتحقيق فعلًا، فإن المنظومة كلها بحاجة إلى مراجعة شاملة.