في لحظة يتصاعد فيها التفاؤل بشأن تهدئة التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، اختارت الصين أن ترسم خطاً أحمر واضحاً: النفط من روسيا وإيران ليس على طاولة التفاوض.
مفاوضات ستوكهولم.. وتهديدات واشنطن بـ100% رسوم جمركية
بعد يومين من المباحثات التجارية في العاصمة السويدية، خرجت الخارجية الصينية بردّ ناري على خلفية التهديد الأميركي بفرض رسوم جمركية بنسبة 100%، إذا لم توقف بكين شراء النفط من موسكو وطهران.
وقالت بكين في بيان رسمي:
“ستضمن الصين دائماً إمداداتها من الطاقة بما يخدم مصالحنا الوطنية. الإكراه والضغط لن يحققا شيئاً.”
بهذا التصريح، تكون الصين قد وجهت رسالة صريحة لإدارة ترمب مفادها: الطاقة ملف سيادي لا يخضع للابتزاز.
طموحات أميركية تُواجه بجدار صيني صلب
في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لتجفيف منابع تمويل روسيا وإيران عبر تضييق الخناق على صادراتهما النفطية، تصطدم بموقف صيني يُفهم منه أن بكين ليست مجرد زبون، بل لاعب جيواستراتيجي يعرف جيداً أوراقه.
وقال وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، إن “الصينيين يأخذون سيادتهم على محمل الجد”، مضيفاً أنهم يفضلون دفع رسوم جمركية خيالية على أن يتخلوا عن خياراتهم الاستراتيجية.
الصين: شريك نفطي لا يمكن تعويضه
بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تستحوذ الصين على ما يصل إلى 90% من صادرات إيران النفطية، كما أنها من كبار زبائن النفط الروسي، بعد الهند.
في أبريل وحده، ارتفعت وارداتها من الخام الروسي بنسبة 20%، متجاوزة 1.3 مليون برميل يومياً، ما يُثبت أن بكين لن تتخلى عن نفط رخيص ومضمون من أجل إرضاء ضغوط واشنطن.
هل تحول ترمب إلى ورقة ضغط للصين؟
رغم تصلّب الصين، لا يبدو أن المفاوضات التجارية توقفت. بل صرّح الوزير الأميركي بيسنت بأن المعارضة الصينية “لم تعرقل المفاوضات“، معبراً عن أمله في الوصول إلى صفقة متوازنة.
يرى محللون أن ترمب حريص على صفقة سياسية تلفت الأنظار مع شي جين بينغ، حتى وإن استمر الخلاف حول النفط. بكين بدورها تدرك هذا التوجه، وربما تستخدمه كورقة تفاوضية ذكية.
دعم ثابت لبوتين.. وتكتيك تفاوضي قوي
يرى خبراء في الشأن الصيني أن بكين لن تتراجع عن دعم موسكو، لا سيما في ظل تناقضات السياسة الأميركية تجاه روسيا وإيران.
ويقول سكوت كينيدي من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية:
“بكين قد تستخدم ملف النفط ورقة ضغط لتحصيل مزيد من التنازلات من واشنطن“.
أما داني راسل من معهد آسيا، فيعتقد أن “الصين باتت ترى نفسها الطرف المهيمن في الصراع التجاري“، مشيراً إلى أن استمرار شراء النفط يُعزز “التضامن الاستراتيجي” بين شي وبوتين.
طاقة بسعر بخس.. ومعادلة لا يمكن التضحية بها
المعادلة التي تدركها بكين جيداً بسيطة ومباشرة: نفط منخفض التكلفة من روسيا وإيران مقابل استمرار النمو الصناعي والاستراتيجي.
يقول راسل:
“لا تستطيع بكين ببساطة التخلي عن هذه الإمدادات. إنها حاجة استراتيجية تُلبى بشروط مريحة“.
تهديدات لنيودلهي.. والهند تحت المجهر الأميركي
المعركة الأميركية لا تقف عند الصين، فالهند أيضاً دخلت مرمى النيران الجمركية.
أعلن ترمب نيته فرض رسوم بنسبة 25% على الواردات الهندية، إضافة إلى ضرائب عقابية بسبب شرائها النفط من روسيا.
ستيفن ميلر، مستشار ترمب، قال إن “الهند تموّل حرب أوكرانيا عبر النفط الروسي“، مؤكداً ضرورة “موقف أميركي أكثر صرامة“ تجاه هذا الواقع.
تشريع عقوبات بـ500%.. والجمهوريون ينتظرون الضوء الأخضر
في الكونغرس، يقود السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام جهوداً لتشريع قانون يخول الرئيس فرض عقوبات تصل إلى 500% على كل من يشتري النفط الروسي، بما في ذلك الصين والهند.
الغرض، بحسب غراهام، هو:
“كسر حلقة الدعم التي تمد آلة بوتين الحربية بالأوكسجين“.
القانون يتمتع بدعم واسع من الحزبين، وقد يكون أداة ضغط قوية في يد ترمب إذا قرر الذهاب بعيداً في معاقبة داعمي روسيا.
في الختام: النفط ليس مجرد وقود.. بل ورقة صراع
تكشف هذه التطورات أن النفط بات ورقة تفاوض لا تقل أهمية عن الصواريخ أو البيانات الجمركية.
بكين تدافع عن مصالحها بشراسة، وواشنطن تلوّح بالعقوبات والضرائب، فيما تبقى الأسواق الدولية ساحة مفتوحة لمعادلات جديدة تُكتب بالحبر الأسود… والنفط الأحمر.