يواجه قطاع الصحة المغربي مفارقة صادمة: مستشفيات ومراكز صحية تعاني خصاصاً حاداً في الأطر الطبية والممرضين، في حين يواجه آلاف الخريجين من الممرضين وتقنيي الصحة بطالة مزمنة وأبواباً موصدة أمامهم.
أهداف طموحة ومسار مستقبلي
أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية أن البرنامج الوطني للموارد البشرية الصحية يسعى إلى رفع عدد مهنيي الصحة من 17,4 لكل 10.000 نسمة عام 2022 إلى 45 عام 2030، بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية.
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في المقاعد البيداغوجية: +206٪ للإجازة و+353٪ للماستر، مع تعميم المعاهد العليا للمهن التمريضية وإنشاء كليات الطب والصيدلة في مناطق جديدة، لدعم التغطية الصحية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
بطالة مزمنة وتخطيط عشوائي
رغم هذه الجهود، تشكو التنسيقية الوطنية لطلبة وخريجي المعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة من “شح المناصب المالية”، ما يعكس اختلالات بنيوية قديمة.
يقول عبد الله ميروش، عضو المكتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين:
“التخطيط العشوائي وسوء توزيع المناصب يجعل كل جيل جديد يواجه نفس المصير المجهول، رغم الحاجة الماسة لجميع التخصصات الحيوية”.
تكوين للمجهول وهجرة الكفاءات
يشير ميروش إلى أن عدم التوازن بين التكوين وحاجيات سوق العمل يدفع الخريجين والممرضين المزاولين إلى البحث عن فرص خارج البلاد، ما يخلق نزيفاً للكفاءات في وقت تعاني فيه المستشفيات من نقص حاد في الموارد البشرية.
غياب التنسيق واستنزاف الموارد
أحد أبرز الاختلالات يكمن في غياب التنسيق بين وزارة الصحة والمراكز الاستشفائية الجامعية، حيث تُنظم مباريات التوظيف بشكل منفصل، ما يؤدي إلى تكدس المترشحين في مدن معينة وخصاص في أخرى، وهدر الموارد المالية والبشرية.
ويؤكد ميروش:
“يجب اعتماد آلية واضحة لإعلان عدد المناصب المفتوحة في كل جهة، لمنح الخريجين رؤية مستقرة لمستقبلهم”.
إشكالية متعددة الأبعاد
تضيف فاطمة الزهراء بلين، عضو المجلس الوطني للنقابة المستقلة للممرضين:
“الإشكالية أكبر من مجرد خصاص في المناصب، فهي مرتبطة بتنسيق غير فعال بين المستشفيات ووزارة الصحة والمراكز الجامعية، ما يؤدي إلى البطالة أو استمرار الخصاص في مناطق أخرى”.
وتؤكد بلين أن تخصصات مثل القابلات وتقنيي التخدير والإنعاش تشكل العمود الفقري لأي مؤسسة استشفائية، وغيابها يهدد الخدمات الأساسية.
دور القطاع الخاص وتعقيد المشهد
تؤدي مؤسسات التعليم العالي الخاص إلى زيادة الضغط على سوق العمل المحدود، ما يطرح الحاجة إلى ربط التكوين فعلياً بحاجيات المنظومة الصحية.
ويرى ميروش أن الحل الجذري لا يكون إلا بـ:
- زيادة ملموسة في المناصب المالية
- تبني رؤية استراتيجية طويلة المدى
- تفعيل التنسيق الإلزامي بين الوزارة والمراكز الاستشفائية الجامعية
رهان إستراتيجي للمستقبل
إن معالجة ملف بطالة الممرضين وتقنيي الصحة لم تعد قضية فئوية، بل رهان إستراتيجي لمستقبل المنظومة الصحية المغربية، وحق للمواطنين في الحصول على خدمات طبية لائقة وكافية.