بقلم : مبارك بوحلبان
تشهد مدينة آسا، كل سنة، حدثاً دينياً وروحياً بارزاً يتمثل في موسم “مَلْكى الصالحين”، الذي بات تقليداً راسخاً ينجح في كل دورة في جمع شمل القبائل الصحراوية والزوايا الروحية في أجواء إيمانية، اجتماعية وثقافية، تجعل منه منارة إشعاع متجددة بالجنوب المغربي.
محطة للصلة والتواصل
موسم “مَلْكى الصالحين” ليس مجرد مناسبة دينية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف وإحياء طقوس التصوف المغربي الأصيل، بل هو أيضاً فضاء واسع لتجديد صلة الرحم بين القبائل وتبادل الزيارات بين الزوايا المنتشرة داخل المغرب وخارجه.
ويؤكد حضور وفود قبلية من مختلف الأقاليم الجنوبية، ومن مدن مغربية عديدة، أنّ هذا الموسم يرسخ دوره كـ”جسر تواصل” يوحد الصفوف ويعزز قيم التضامن والتآخي.
أجواء روحية متميزة
تتخلل الموسم ليالي الذكر والسماع والمديح النبوي التي تحييها فرق صوفية وفرق مديحية قادمة من جهات مختلفة. هذه الليالي تحظى بإقبال واسع من ساكنة آسا والزوار، لما تنشره من سكون روحي ونفحات إيمانية تربط الحاضر بالماضي العريق للتصوف المغربي.
كما تُلقى خلال الموسم دروس وندوات دينية يؤطرها علماء ومشايخ من الزوايا المغربية، تتمحور حول قيم التصوف، دوره في ترسيخ السلم الاجتماعي، وإسهام الزوايا في تحصين الوحدة الترابية للمملكة.
حضور رسمي وشعبي وازن
يحظى موسم “مَلْكى الصالحين” بعناية خاصة من السلطات المحلية والإقليمية، حيث يحضره عامل إقليم آسا الزاك، ورؤساء المجالس المنتخبة، إضافة إلى شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية، مما يمنحه بعداً رسمياً واجتماعياً يعكس أهميته في النسيج الثقافي والديني للمنطقة.
أنشطة اجتماعية وتنموية
لا يقتصر الموسم على الطابع الروحي فقط، بل يشمل أيضاً أنشطة اجتماعية وإنسانية، من أبرزها:
- تنظيم عمليات إعذار جماعي لفائدة الأطفال من الأسر المعوزة.
- مبادرات للتضامن والدعم الاجتماعي.
- معارض للمنتوجات المحلية والصناعات التقليدية.
- فضاءات للتعريف بالتراث الحساني والرصيد الثقافي للأقاليم الجنوبية.
موسم للوحدة وصون التراث
إن نجاح موسم “مَلْكى الصالحين” في كل دورة يعكس عمق ارتباط القبائل والزوايا بهذا الموروث الديني والثقافي، ويجعل منه مناسبة لترسيخ قيم الوحدة والتآزر بين مختلف مكونات المجتمع، وصون التقاليد المغربية العريقة التي تمتزج فيها الروحانية بالثقافة، والعبادة بالتواصل الاجتماعي.
وبذلك، يظل هذا الموسم علامة مضيئة في سماء الجنوب المغربي، وموروثاً حياً يُعيد للذاكرة ألق التصوف المغربي ويؤكد دور الزوايا كقلاع للعلم والدين والوطني.