إعداد: أمين دنون
أزمور – شتنبر 2025
على ضفاف نهر أم الربيع، وفي رحاب منصة “إبراهام مونيس”، أسدل المهرجان الدولي لفن الملحون ستاره عن دورته الثالثة عشرة، بعد ثلاثة أيام من الفرح الفني والعمق الروحي، ليكرّس مكانته كأحد أبرز المواعيد الثقافية التي تصون ذاكرة المغرب وتعيد الاعتبار لفن الملحون كجسر بين الماضي والحاضر.
شعار يختزل الهوية: “تراث الملحون في خدمة ثوابت المملكة“
تحت هذا الشعار، جاءت اختيارات القصائد والألحان لتوثّق لمسار حضاري متجذر في وجدان المغاربة. الدورة صادفت مناسبة المولد النبوي الشريف، فارتفع صوت المديح والسماع في الليلة الأولى، بمشاركة عازفين ومنشدين من أرفود وسلا ومكناس وأزمور ومراكش والجديدة، في توليفة موسيقية أضاءت سماء المدينة.
ثلاث ليالٍ من الطرب والوجد
- ليلة المديح والسماع: مع الطائفة العيساوية، جوق منتخب الملحون، أصوات شابة مثل سارة أزهوري وعبد الله خاي، وأسماء وازنة كالمجدة اليحياوي.
- ليلة بهجت لسرار: أبدع فيها حمزة البوخليفي، سهيلة الصحراوي، يوسف دهده، والطائفة القادرية العيساوية.
- ليلة فراجت لكلام: أغلقت المشهد الفني بأداء شيماء الرداف، هاجر أزهوري، وحميد أضحيكة، رفقة فرقة الفنان أمير علي.
كل ليلة كانت رحلة وجدانية تُعيد الملحون إلى فضائه الأصلي: التعبير عن الوجدان الشعبي بما يحمله من مشاعر دينية ووطنية وعاطفية.
الندوة العلمية… حين يلتقي البحث الأكاديمي بالشعر الشعبي
لم يكن المهرجان غناءً فقط، بل أيضًا فضاءً للفكر. ندوة علمية بعنوان “القضايا الوطنية في شعر الملحون” جمعت باحثين بارزين مثل عبد المجيد فنيش، عبد الجليل الكريفة، وإدريس رحمون. نقاشات عميقة أبرزت دور الملحون كـ”ترجمان للذاكرة المغربية” وكوثيقة حيّة لالتزام الشعراء عبر العصور بالقضايا الوطنية والدينية.
وفاء للتاريخ ورسالة للمستقبل
رغم الصعوبات، ظل المهرجان وفيًا لمواعيده السنوية، بتنوع برامجه وتوازنها بين الفن والبحث العلمي. اختيار شعار الدورة لم يكن اعتباطيًا، بل امتدادًا للرسالة الملكية التي أكد فيها جلالة الملك محمد السادس، سنة 2010، أن فن الملحون هو ذاكرة تاريخية وثقافة مجتمعية تعبّر عن الشخصية المغربية.
دعم واسع وشراكات متينة
نجاح الدورة ما كان ليتحقق لولا دعم مؤسساتي كبير: عمالة إقليم الجديدة، المكتب الشريف للفوسفاط، وزارة الشباب والثقافة والتواصل، والجماعة الترابية لأزمور، إضافة إلى القوات الأمنية والسلطات المحلية. التلاحم بين مختلف الفاعلين أعطى للمهرجان بُعدًا وطنيًا يتجاوز حدود المدينة.
أزمور… حين يتحول الفن إلى هوية حية
المهرجان الدولي لفن الملحون لم يكن مجرد تظاهرة، بل رسالة بأن الملحون ليس فنًا متحفيًا جامدًا، بل إبداع حيّ يتنفس مع الناس، يجمع بين التصوف، الوطنية، والحب. دورة 2025 عززت هذا اليقين، وأكدت أن هذا الفن الشعبي العريق لا يزال يجد مكانه في قلب الأجيال الجديدة، وفي ذاكرة كل مغربي.