في صباح مشحون بالمشاعر والذكريات، انطلق اليوم الإثنين موكب تشييع الموسيقار الكبير زياد الرحباني من مستشفى خوري في الحمراء، حيث توافدت جموع محبيه منذ الفجر، يحملون الورود ويغالبون دموع الفقد، في وداع رجل لم يكن مجرد موسيقي، بل كان ضميراً فنياً وإنسانياً لمدينة أنهكها الصخب والخذلان.
الحمراء تصفق… والنساء تزغرد: الوداع على طريقة زياد
مرّ الموكب في شارع الحمراء، الحي الذي احتضن زياد لسنوات، فتحوّل الشارع إلى مسرح حي للحب والحزن معاً. تصفيق طويل، زغاريد نساء، وهتافات باسمه، رسمت لوحة وداع لا تشبه سوى زياد… فناناً ظلّ قريباً من الناس، رغم مسافته مع الأضواء.
فيروز… أمّ تبكي بصمت
في لحظة نادرة ومؤثرة، ظهرت السيدة فيروز داخل كنيسة رقاد السيدة بالمحيدثة – بكفيا، تجلس إلى جانب ابنتها ريما الرحباني، تواجه فاجعة فقد ابنها البكر بصمت يجلجل أكثر من الكلمات. بين يديها، باقة ورد بيضاء ورسالة وحيدة بخط يدها:
“إلى ابني الحبيب.. فيروز.”
كلمات قليلة، لكنها اختزلت حزناً لا يوصف، وأماً تودّع قطعة من روحها.
دموع وتصفيق وموسيقى: تشييع يليق بالمتمرد النبيل
جنازة زياد لم تكن مأتماً تقليدياً، بل عرضاً أخيراً للفن والحب والانتماء. حضرها مثقفون وفنانون، من بينهم السيدة الأولى نعمت عون، والممثلة كارمن لبّس، التي كانت من أوائل من وصلوا لتقديم العزاء.
تمازجت الدموع مع التصفيق، فيما رافق نعشه صوت بيروت، وموسيقى كانت يوماً صوته الناطق باسم المهمشين، الغاضبين، والعاشقين للحياة رغم كل شيء.
رفض الرحيل عن بيروت… حتى وهو يحتضر
الراحل توفي السبت عن 69 عاماً، بعد صراع مرير مع تليّف الكبد، ظلّ متردداً بين قرار الخضوع لزراعة كبد، وبين رغبته بالبقاء قرب والدته وشقيقته، في لحظة تقارب عائلي نادرة عاشتها العائلة في الشهور الأخيرة.
وزير الثقافة غسان سلامة أكد أن زياد رفض مغادرة لبنان للعلاج، مفضلاً الموت في مدينته، وبين أهله القليلين وكلماته الكثيرة.
صوت ما زال بيننا… زياد لا يُطوى
لم يرحل زياد خفيفاً، بل ترك خلفه أعمالاً لم تُنشر بعد، منها ألبوم كامل للفنانة لطيفة من ست أغانٍ من ألحانه، وتعاونات فنية مستقبلية مع أسماء مثل شيرين عبد الوهاب.
فصله الأخير كُتب بالموسيقى أيضاً، كما عاش دائماً.
الختام… صدى لا يُغلق
بيروت أسدلت الستار على واحد من أكثر فصولها جمالاً وتمرّداً، لكنها لم تطوِ صفحة زياد.
صوته، موسيقاه، كلماته الجارحة والحالمة، لا تزال تهمس في الأزقة، وتعزف للأمل وسط الرماد.