كاتبة رآي : رجاء فضايل
تشهد الساحة الفنية المغربية ظاهرة مثيرة للجدل، حيث بات ما يسمى بـ”الهركاوي” – الشخص الأمي، الفوضوي، كثير السب والشتم – يفرض حضوره في التجمعات الفنية ويتحول إلى مادة للشهرة عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذا الصعود السريع يملأ فراغاً فنياً بمحتوى يقوم على الصدمة والغرابة بدل القيمة والإبداع، في وقت تكافئ فيه خوارزميات المنصات الجدل والرذاءة أكثر مما تكافئ الجودة.
أزمة ذوق عام وغياب البدائل
هذا التحول يعكس أزمة عميقة في الذوق العام المغربي وغياب بدائل فنية راقية قادرة على شد انتباه الجمهور. الأخطر أن “الهركاوي” يُسوَّق في الداخل والخارج كواجهة للفن والإبداع المغربي، رغم أنه لا يمثل سوى صورة مشوهة تختزل غنى الهوية المغربية في التفاهة والفوضى، وتغري الأجيال الصاعدة بسلوك طريق الشهرة السهل عبر الكلام النابي.
قراءة نفسية واجتماعية
من منظور نفسي واجتماعي، يمكن تفسير صعود “الهركاوي” باعتباره انعكاساً لتحولات عميقة في المجتمع. فهو يجذب الجمهور لأنه يشبع حاجتهم إلى الغرابة وكسر المألوف، ويمنحهم نوعاً من “الفرجة الرخيصة” والدهشة اللحظية. في المقابل، يؤدي دوراً رمزياً في التنفيس عن الضغوط والمكبوتات، إذ يجرؤ على قول ما لا يستطيع المشاهد التعبير عنه في حياته اليومية.
بين التمرد والاحتجاج
سلوك “الهركاوي” لا يُقرأ فقط كظاهرة هامشية، بل أيضاً كتمرد جماعي ساخر على القيم الرسمية والأنماط المألوفة. فالتصرفات الشاذة تتحول إلى وسيلة للاحتجاج والرفض، وإن كانت في صورة هزلية، ما يمنحه دوراً مزدوجاً: التسلية من جهة، والتعبير عن رفض مجتمعي صامت من جهة أخرى.
تطبيع الرذاءة وتآكل الهوية
الخطر الأكبر يكمن في أن هذا النمط، مع التكرار والانتشار، يدفع المجتمع إلى تطبيع الرذاءة وقبول الفوضى كسلوك مألوف ومبرر، بل واعتبارها شكلاً من أشكال الفن والهوية. وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للذوق العام وصورة الثقافة المغربية، التي طالما عُرفت بتنوعها وعمقها.