إعداد : يوسف كركار
في زمن أصبح فيه الوصول إلى منازل المسؤولين أسهل من ولوج المؤسسات العمومية، تتكشف مفارقة عميقة: من يُفترض أن يكون في خدمة المواطن، صار يحيط نفسه بأسوارٍ من الصمت. فهل هذا التكتيك الجديد يروم فقط “تنظيم الدخول”؟
أم أنه وسيلة ممنهجة لخنق صوت الصحافة وإبعادها عن فضاءات القرار المحلي؟
حين تُمنع الصحافة من حضور مناقشة المال العام
القاعة التي يُفترض أن تُناقش فيها ميزانيات المواطنين ومشاريعهم، تحوّلت فجأة إلى منطقة محظورة. في مشهد يثير التساؤل أكثر مما يجيب، تم منع ستة صحفيين وصحفية من تغطية الدورة الشهرية لمجلس جهة الداخلة وادي الذهب، من طرف عناصر الأمن الخاص، بتعليمات – كما يؤكد الحاضرون – من أحد المسؤولين.
الواقعة لم تمرّ مرور الكرام. فقد وصفها إعلاميون بـ”الفضيحة من العيار الثقيل”، معتبرين أن المنع لا يستهدف أشخاصاً بعينهم، بل يضرب في عمق مبدأ الشفافية الذي يُفترض أن يُحصّن المؤسسات المنتخبة من الشبهات.
ماذا يخشون أن يُقال؟
تساؤل يتردّد في كواليس الداخلة: لماذا هذا الخوف من الصحافة؟
هل هناك ما يجب أن يبقى في الظل؟
في زمن تُرفع فيه شعارات الحكامة والانفتاح، يبدو أن بعض المسؤولين ما زالوا يفضلون إدارة الشأن العام في صمتٍ خلف الأبواب المغلقة.
صوت الضمير المهني
منع الصحفيين ليس حادثاً عابراً، بل مؤشر على أزمة أعمق في العلاقة بين الإعلام والسلطة المحلية. فكل محاولة لإسكات الكلمة الحرة، هي طعنة في جسد الشفافية، وإهانة لحق المواطن في المعلومة. وفي ظل هذه الممارسات، يُطرح السؤال الجوهري:
هل تحولت بعض المؤسسات إلى “ملكيات صغيرة” في دولة المؤسسات؟
بين النص الدستوري والممارسة الواقعية
ينصّ الدستور المغربي بوضوح على أن حرية الصحافة مكفولة، وأن للمواطن الحق في الحصول على المعلومة من كل مؤسسة عمومية. غير أن ما حدث في الداخلة يعكس فجوة مؤلمة بين النص والممارسة، بين ما يُكتب في الوثائق الرسمية وما يُطبَّق على الأرض.
فالمنع الذي طال الصحفيين لا يُقاس فقط بصفته حادثاً محلياً، بل بكونه إنذاراً وطنياً حول تراجع منسوب الثقة بين الصحافة ومراكز القرار. إن إغلاق الأبواب أمام الكاميرات والميكروفونات لا يحجب الحقيقة، بل يُضاعف الشكوك، ويُفقد المواطنين الثقة في من يفترض أن يمثلهم.
الكلمة الأخيرة
في الداخلة، كما في مدن أخرى، ما زال الصراع قائماً بين من يريد لحرية الصحافة أن تبقى شعاراً جميلاً يُرفع في المناسبات، ومن يراها ضرورة حيوية لبناء دولة تُدار بنور الحقيقة لا بعتمة الكتمان.
وإلى أن يُفتح الباب مجدداً أمام الإعلاميين لتغطية جلسات المال العام، ستظل عبارة واحدة تطنّ في الأذهان: من يخاف من الكلمة الحرة، يخاف من الحقيقة.