بعد سنوات من الحياد التقليدي، تشهد موريتانيا تحولاً لافتاً في خطابها السياسي والفكري تجاه قضية الصحراء، مع موجة دعم متنامية وغير مسبوقة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
لم يعد الأمر مجرّد موقف رسمي متحفظ، بل أصبح قناعة راسخة داخل أوساط سياسية وفكرية موريتانية وازنة، ترى في المقترح المغربي المدخل الواقعي لإنهاء النزاع واستقرار المنطقة برمتها.
محللون موريتانيون يعتبرون أن هذا التحول يعكس وعياً متزايداً بخطورة استمرار الجمود، مؤكدين أن القوى التي كانت تراهن على بقاء الصراع إنما تسعى لإبقاء المغرب العربي رهينة التوتر والركود.
الأمن الموريتاني في قلب المعادلة الإقليمية
في خطٍ موازٍ، تشدد قيادات موريتانية على أن استقرار الأقاليم الجنوبية للمغرب يعني مباشرة تعزيز أمن موريتانيا القومي، خاصة على مستوى حدودها الشمالية.
فالتطورات الأخيرة، وفق المراقبين، تمنح نواكشوط شرعية أكبر لاتخاذ مواقف أكثر وضوحاً تجاه تحركات جبهة البوليساريو أو الجماعات المسلحة في المناطق الحدودية الحساسة.
ويرى مراقبون أن انخراط موريتانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي يمنحها كذلك غطاءً دبلوماسياً لوقف أي نشاط انفصالي قد يهدد أمنها الداخلي أو مصالحها الإقليمية.
من السياسة إلى الاقتصاد: تكامل مغاربي في الأفق
يتجاوز هذا التحول البعد السياسي إلى مشاريع اقتصادية طموحة، أبرزها مشروع الطريق البري بين السمارة وبير أم كرين، الذي يُتوقع أن يختصر المسافات ويُنعش التبادل التجاري بين البلدين.
كما يراهن الجانبان على تعزيز التعاون في مجالات النقل، الأمن، والطاقة، بما يعيد الأمل في بناء فضاء مغاربي متكامل بعد عقود من الجمود المؤسف.
“درس الكركرات”.. لحظة وعي موريتانية
لا تزال موريتانيا تستحضر أحداث الكركرات عام 2020، حين حاولت عناصر من البوليساريو تعطيل حركة العبور نحو أراضيها، ما كشف هشاشة الوضع وأثره المباشر على الاقتصاد الوطني.
تلك الحادثة، التي كادت تشلّ الشريان التجاري الحيوي لموريتانيا، كانت نقطة تحول في وعي القيادة الموريتانية، التي أدركت أن أمنها الاقتصادي مرتبط باستقرار الأقاليم الجنوبية للمغرب وبضمان انسيابية التجارة عبر الكركرات.
نواكشوط الجديدة: واقعية سياسية وشراكات واعدة
اليوم، تبدو موريتانيا أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن الواقعية السياسية تفرض دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها حلاً نهائياً، يضمن الأمن المشترك ويفتح الباب أمام التنمية والتكامل الإقليمي.
وإذا واصل هذا التوجه ترسخه داخل النخبة السياسية والفكرية في نواكشوط، فقد يشهد المغرب وموريتانيا قريباً عصرًا جديدًا من التعاون الاقتصادي والشراكات الاستراتيجية في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والأمن الحدودي.















