في لحظة سياسية فارقة، خطف زهران ممداني الأضواء بعد انتخابه عمدة لمدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب، وأصغر من يجلس على كرسيه منذ عام 1892.
ابن الرابعة والثلاثين، المولود في إفريقيا، قلب موازين السياسة المحلية بفوزه على شخصيتين مخضرمتين: الحاكم السابق أندرو كومو ومرشح الجمهوريين كيرتس سليا.
انتصار ممداني لم يكن مجرد فوز انتخابي، بل إعلان عن تحوّل أعمق في المشهد السياسي الأمريكي، عنوانه: صعود جيل جديد لا يشبه المؤسسة ولا يخضع لقواعدها.
صعود نجم اليسار الجديد
دخل ممداني السباق الانتخابي دون دعم حزبي ولا تمويل ضخم، لكنه نجح في كسب القلوب والعقول بخطاب مباشر، إنساني، ومشحون بالأمل.
هو الوجه الذي كان الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي ينتظره: شاب بكاريزما قوية، متقن للغة التواصل الرقمي، يحمل تنوعاً عرقياً وثقافياً يعكس أمريكا الجديدة.
يدافع عن رعاية الأطفال المجانية، والنقل العام الموسع، ودور الدولة في كبح جشع السوق، دون أن يتخلى عن القيم الثقافية والإنسانية لليسار.
مواجهة المؤسسة.. وهزيمة كومو
فوز ممداني على أندرو كومو، أحد رموز المؤسسة الديمقراطية في نيويورك، كان بمثابة زلزال سياسي.
فقد أطاح بوجهٍ يمثل السياسة التقليدية المتكلسة، ممهداً الطريق أمام جيل يرى أن الحزب الديمقراطي فقد صلته بالواقع الشعبي.
ولهذا حظيت حملته بتغطية إعلامية غير مسبوقة لانتخابات بلدية، لتصبح نيويورك مجدداً مرآة للتحولات العميقة داخل الديمقراطية الأمريكية.
بين الحلم والقيود
لكن الحلم يصطدم بالواقع. فالعمدة الجديد سيواجه تحديات مالية وتشريعية كبرى، إذ أعلنت حاكمة نيويورك كاثي هوشول معارضتها لزيادة الضرائب التي تموّل مشاريعه الاجتماعية الطموحة.
ومثل سلفه بيل دي بلاسيو، سيكتشف ممداني أن سلطات العمدة محدودة، وأن التنفيذ أصعب من الوعود، خاصة في مدينة يحكمها المال والنفوذ أكثر من السياسة.
مواقف جريئة تُربك الساحة
خلال حملته، لم يتردد ممداني في انتقاد النخبة الاقتصادية التي جعلت من مانهاتن “عاصمة المال العالمية”، كما أثار جدلاً واسعاً بتصريحه حول اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، واصفاً إياه بـ“مجرم حرب”.
مواقفه جعلته هدفاً للجمهوريين، الذين يسعون لتصويره كوجه “اشتراكي متطرف”، لكنها في المقابل رسّخت صورته كسياسي صادق لا يساوم على قناعاته.
فرصة وتحدٍ لليسار الأمريكي
رغم الضجيج الإعلامي، ما يزال الأمريكيون يجهلون الكثير عن ممداني.
فاستطلاع حديث أظهر أن 46٪ من الأمريكيين لم يتابعوا الانتخابات عن قرب، ما يمنحه فرصة لإعادة تعريف نفسه قبل أن يفعل خصومه ذلك.
وهو يدرك أن المحافظين، من دونالد ترامب إلى غيره، سيحاولون استهدافه مبكراً بوصفه تهديداً “اشتراكياً” لأمريكا الليبرالية.
“ما يوحّدنا هو من نقاتل من أجلهم”
يصرّ ممداني على أن الحزب الديمقراطي يجب أن يعكس التنوع الحقيقي للمجتمع الأمريكي، قائلاً:
“ما يوحّدنا جميعاً هو من نقاتل من أجل خدمتهم، وهم أبناء الطبقة العاملة.”
كلمات تختصر رؤيته السياسية، لكنها أيضاً تضعه في مواجهة مفتوحة مع المؤسسة، ومع تحديات قد تحدد مصير اليسار الأمريكي في السنوات المقبلة.
نيويورك.. مدينة تختبر مستقبل الديمقراطية
بين الحلم والواقع، يقف ممداني اليوم في قلب اختبار صعب: هل يستطيع شاب أفريقي الأصل أن يعيد تعريف ما تعنيه السلطة في أكثر مدن العالم تأثيراً؟
الجواب لن يكون سهلاً، لكن المؤكد أن نيويورك، مرة أخرى، تقف على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها السياسي.















