مشروع طموح يفتح النقاش الوطني حول “العملة الرقمية”
لم يكن الطريق نحو تقنين العملات المشفرة في المغرب مفروشًا بالورود. فبعد انتظارٍ طويل، نشرت الأمانة العامة للحكومة نهاية أكتوبر الماضي المسودة الأولية لأول قانون ينظم سوق الأصول الرقمية في البلاد، فاتحةً الباب أمام الملاحظات والتعليقات من الفاعلين والخبراء.
المسودة، رغم كونها تُعد خطوة تاريخية في مسار التحول الرقمي المالي للمملكة، إلا أنها تثير نقاشًا حادًا حول مدى توازنها بين متطلبات الأمن المالي وتشجيع الابتكار.
إطار قانوني لأول مرة… لكن بأسئلة كثيرة
يضع مشروع القانون 42.25 أسسًا تنظيمية واضحة لمجال ظل حتى الآن في المنطقة الرمادية. فهو يُحدّد الجهات المسموح لها بالنشاط في القطاع، مثل مزودي خدمات الأصول المشفرة ومصدري الرموز الرقمية، كما يُلزم كل منصة تبادل بالحصول على ترخيص رسمي مسبق.
ويُنظر إلى هذا التوجّه باعتباره إشارة قوية من السلطات المغربية على سعيها لإرساء الأمن التشريعي ومواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية، مثل التشريع الأوروبي MiCA وتوصيات مجموعة العمل المالي (GAFI).
القيود الصارمة تثير قلق الفاعلين الصغار
لكن هذا التقدم، كما يرى مركز أبحاث “بي إم سي إي كابيتال غلوبال ريسرش” (BKGR)، يرافقه الكثير من الغموض والقيود.
فالقانون، بصيغته الحالية، لا يتيح للأفراد شراء الأصول المشفرة إلا عبر منصات مرخصة، مع إلزامهم بإجراءات “اعرف زبونك” (Know Your Client) وإخضاعهم لقواعد مشددة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويرى التقرير أن المتطلبات المرتبطة بـ رأس المال الذاتي، والحكامة، والمطابقة القانونية، قد تجعل السوق المغربي حكرًا على المستثمرين المؤسساتيين الكبار، ما يُقصي الشركات الناشئة المحلية والمبتكرين الشباب الذين يشكلون عادةً القلب النابض لهذا القطاع عالميًا.
منظور ضيق قد يحد من التحول الرقمي
تُركّز مسودة القانون بالأساس على تقنين ما يُعرف بـ العملات المستقرة (Stablecoins)، لكنها تستبعد في المقابل أنشطة حيوية أخرى مثل تعدين العملات المشفرة (Mining) والتمويل اللامركزي (DeFi) وغيرها من الأصول الرقمية الحديثة.
ويحذر الخبراء من أن حصر الإطار القانوني في نطاق محدود قد يؤدي إلى فجوة بين الخطاب الرسمي حول التحول الرقمي وواقعٍ تشريعي جامد لا يواكب سرعة الابتكار في العالم.
المؤسسات الكبرى في موقع مريح
بالنسبة للمؤسسات المالية الكبرى، يُعتبر هذا القانون خطوة إيجابية لأنه يخفف من حالة الغموض القانوني التي كانت تحيط بالأصول المشفرة في المغرب، ويفتح الباب أمام شراكات دولية واستثمارات جديدة في بيئة أكثر أماناً وتنظيماً.
لكن بالنسبة للفاعلين الصغار، فإن تكلفة وتعقيد الحصول على الترخيص قد يجعل دخول السوق شبه مستحيل، ما يهدد بخسارة البلاد لجيل من المبتكرين في التكنولوجيا المالية.
أربعة أهداف… وهاجس واحد
تؤكد المذكرة التقديمية لمشروع القانون أن التشريع الجديد يسعى إلى تحقيق أربعة أهداف محورية:
- حماية المستثمرين من الاحتيال والمخاطر المضاربية.
- ضمان نزاهة الأسواق ومكافحة الغش وتبييض الأموال.
- تشجيع الابتكار في القطاعات الرقمية والمالية.
- الحفاظ على الاستقرار المالي الوطني.
غير أن القانون ينصّ بوضوح على أن العملات المشفرة ليست وسيلة قانونية للأداء، بل تُصنّف كـ “أصول مالية رقمية” لا يمكن تداولها إلا عبر مزودين مرخّص لهم وتحت إشراف البنك المركزي والسلطات المالية.
بين الانفتاح والحذر… المغرب على مفترق طريق
يبدو أن المغرب يقف اليوم أمام تحدٍ مزدوج: كيف يؤسس لإطار قانوني يحمي اقتصاده من المخاطر المالية والأمنية، دون أن يخنق روح الابتكار والتجريب التي تحرّك جيلًا رقميًا جديدًا؟
فالمعادلة دقيقة: تنظيم بلا خنق، وتشجيع بلا فوضى.
وما سيحدده مستقبل مشروع القانون 42.25 ليس فقط شكل السوق الرقمية في المغرب، بل موقع المملكة في خريطة الثورة المالية العالمية القادمة.














