بقلم : سهيل القاضي
احتضن مسرح رياض السلطان بمدينة طنجة، مساء السبت، عرضًا ما قبل أول لمسرحية “السبايا“، في أجواء احتفالية لافتة وحضور جماهيري كثيف، عكس حجم الترقب الذي رافق هذا العمل الفني الجديد، الذي يحمل توقيع الفنان والمخرج إلياس بوشري.
المسرحية، التي تنهل من تقاطعات الدراماتورجيا والكوريوغرافيا، قُدّمت بأسلوب معاصر متماسك، نجح في أسر انتباه الحضور منذ اللحظة الأولى، بفضل بناء بصري وموسيقي متكامل، وأداء تمثيلي اتسم بالقوة والصدق.
على خشبة العرض، تألق الرباعي هند أفيلال، لبنى يوسف، أميمة بنعياد، ومنتصر امحيمد، في تجسيد شخصيات معقدة ومشحونة بالعواطف، قدموها بانسيابية مهنية جمعت بين التعبير الحركي والعمق الدرامي، ما أضفى على العمل كثافة وجدانية لامست الجمهور.
من جهتها، شكّلت الموسيقى الأصلية، التي وقّعها محمد أمين أبشري، عصبًا سرديًا نابضًا، مدعومة بأداء صوتي متميز لكل من فرح بيطار وسفيان ماز، اللذين حملا الأغاني إلى فضاءٍ وجداني خالص كُتبت خصيصًا لهذه التجربة المسرحية.
وفي الجانب التقني، صنعت بثينة الزراد عبر إضاءتها الدقيقة توترات بصرية متقنة، دعمت إيقاع المشاهد وانتقالات الحالة الدرامية، بينما قدّم أحمد أمغار وأيوب أجياش رؤية ديكورية تنسجم بسلاسة مع تصور المخرج، الذي أشرف أيضًا على إدارة الخشبة، ليكتمل البناء البصري بأزياء أنيقة ومُعبّرة من توقيع مريم بلال.
لم يكن نجاح العرض محصورًا على الخشبة، بل انسحب أيضًا إلى الجوانب التنظيمية والتواصلية، بفضل العمل الاحترافي الذي قاده كل من أيوب الشايب وحمزة الوكولي، ما مكّن من استقطاب شخصيات مرموقة من المشهد الثقافي المغربي والدولي، من بينهم المخرجة فريدة بليزيد، والمنتج العالمي بانريك شانسي، والكاتب الفرنسي فيليب جيجي، إلى جانب الفاعل الثقافي عبد الواحد بولعيش ممثلاً عن مؤسسة طنجة الكبرى.
في عرضها الأول، أكدت “السبايا“ أنها ليست مجرّد مسرحية، بل لحظة إبداعية متكاملة الأركان، تنبئ ببروز صوت مسرحي جديد، يشتغل بثقة على الذاكرة والهوية، ويغامر بجمالية بصرية وجسدية مدهشة، في زمن يحتاج فيه المسرح أكثر من أي وقت مضى إلى هذا النوع من الجرأة الفنية.