في خطوة تثير جدلاً واسعاً وتُعيد رسم حدود الردع داخل التحالفات التقليدية، لجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سلاح الرسوم الجمركية ليس ضد الخصوم، بل هذه المرة ضد حلفاء بلاده داخل الناتو. فباستخدام التعريفات كأداة ضغط، نجح ترامب في انتزاع تعهد من كافة أعضاء الحلف – بمن فيهم إسبانيا – لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي بحلول 2035، ملوّحاً بإجراءات عقابية ضد الدول المتقاعسة.
تعريفات جمركية بدل الدبلوماسية
من قمة لاهاي إلى مكاتب وزارات المالية، نقل ترامب معركة تمويل الدفاع من غرف التفاوض إلى ساحات الاقتصاد، مستخدماً التعريفات الجمركية كوسيلة “ردع اقتصادي” توازي صواريخ الباتريوت. وقد طالت تهديداته الصين وروسيا أيضاً، حيث ربط الرسوم بملفات الأمن القومي، بدءاً من الإمدادات الحيوية وصولاً إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.
“أمريكا أولاً”.. حتى داخل الناتو
ترامب، الذي يحكم بمنطق الربح والخسارة، لا يرى حرجاً في استخدام أدوات اقتصادية للضغط على أقرب الحلفاء. فحتى إن صدق وعده بتحويل عائدات التعريفات إلى ميزانية الناتو، فإن ذلك – كما يحذر محللون – لن يتم باسم الدول المعاقَبة، بل سيُحسب ضمن مساهمة واشنطن، ما يمنحها نفوذاً أكبر بتمويل غير أمريكي.
نحو تدخل اقتصادي في قرارات دفاعية سيادية
الأخطر في نهج ترامب أنه يفتح الباب أمام تدخل اقتصادي مباشر في السياسات الدفاعية للدول، وهي سابقة في تاريخ العلاقات داخل الناتو، قد تهدد بتآكل الثقة وخلق شروخ استراتيجية يصعب ترميمها، خصوصاً في ظل أزمات اقتصادية داخلية تعصف بعدة دول أوروبية.
بين النجاح التكتيكي والمخاطر الاستراتيجية
ورغم أن ترامب يبدو، ظاهرياً، قد نجح في تحقيق هدفه على المدى القريب، فإن المخاطر بعيدة المدى على وحدة الحلف وتماسكه لا تزال حاضرة بقوة، في ظل مشاعر الاستياء المكتوم لدى الحلفاء، وقلق متصاعد من توسع منطق “التسليع” ليشمل الأمن والدبلوماسية، في عالم يتجه نحو مزيد من التوترات الجيوسياسية.