تستعد المدارس العليا للأساتذة بالمغرب، ابتداءً من الموسم الجامعي المقبل 2025-2026، لاستقبال الطلبة الأجانب في خطوة غير مسبوقة تعكس إرادة المملكة في الانفتاح الأكاديمي وتعزيز الإشعاع الثقافي إقليمياً ودولياً. هذا القرار، الصادر بموجب مذكرة لوزير التعليم العالي عز الدين الميداوي، يقضي بتخصيص 5% من مقاعد السنة الأولى للطلبة الأجانب، مع اشتراط استيفائهم لنفس المعايير التي يخضع لها نظراؤهم المغاربة.
فرصة دبلوماسية ناعمة عبر بوابة التعليم
الخبير التربوي أحمد دكار اعتبر أن القرار لا يخرج عن منطق التعاون الأكاديمي الذي يجمع المغرب بعدد من الدول العربية والإفريقية كالأردن واليمن وفلسطين وتونس، ويُعزز جاذبية المنظومة الجامعية المغربية، خصوصاً في مجال تكوين الأساتذة. ولفت إلى أن هذه الخطوة تمثل امتداداً لتقليد تاريخي أعطى للتعليم العالي المغربي بُعدًا دبلوماسيًا وثقافيًا يتجاوز حدود المملكة.
اكتظاظ ومخاوف من هشاشة البنية التحتية
لكن تحت وهج هذه الخطوة الطموحة، تلوح تحديات واقعية. دكار حذر من الضغط الكبير الذي تعرفه المؤسسات الجامعية المعنية، مشيرًا إلى أن السنتين الأخيرتين شهدتا تدفقاً قياسيًا للطلبة المغاربة، ما تسبب في اكتظاظ غير مسبوق بالقاعات الدراسية. ويتوقع أن تستقبل هذه المؤسسات في الموسم المقبل نحو 20 ألف طالب، ما يطرح تساؤلات جادة حول قدرة البنيات التحتية والموارد البشرية على استيعاب هذا العدد، خصوصاً مع إضافة حوالي 1000 طالب أجنبي.
تجربة تربوية فتية بحاجة إلى دعم
ورغم عراقة بعض المدارس العليا للأساتذة، فإن تجربة الإجازة في التربية، التي انطلقت قبل سبع سنوات فقط، لا تزال في طور التأسيس، وتواجه عوائق حقيقية، خصوصاً على مستوى التأطير. فالخبير نبه إلى أن أكثر من 70% من الأطر يشتغلون بعقود عرضية وساعات إضافية، ما يهدد جودة التكوين. وأضاف أن “هذا لا يمس من كفاءة الأساتذة، لكن يعكس غياب رؤية استراتيجية تهيئ الأرضية قبل توسيع الولوج”.
دعوة لمناهج متكاملة ومسارات واضحة
في ختام تحليله، شدد دكار على ضرورة الانفتاح على خبرات وطنية في إعداد وحدات التكوين، مع ضمان تكامل حقيقي بين ما يتم تدريسه في المدارس العليا ومراكز التربية والتكوين. كما دعا إلى توفير آفاق حقيقية للطلبة الحاصلين على شهادة الإجازة في التربية من خلال فتح مسالك ماستر متخصصة، حتى لا يتحول التكوين إلى مسار محدود ينتهي فقط بولوج مركز التوظيف، دون امتداد علمي أو مهني أوسع.
خلاصة: قرار جريء بحاجة إلى احتضان واقعي
انفتاح المغرب على الطلبة الأجانب في مدارس تكوين الأساتذة خطوة شجاعة تحمل بُعدًا حضاريًا، لكنها تظل مشروطة بإرادة قوية لإصلاح البنيات التحتية، وضمان جودة التأطير، وتوفير الأفق الأكاديمي والمهني لخريجي هذه المسارات. دون ذلك، سيظل الطموح حبيس التوصيات، والواقع أضيق من أن يحتويه.