تعليمات وزير الداخلية تفتح “صندوق التنمية” بإقليم الجديدة.. والنتائج كارثية
بناءً على أوامر مباشرة من وزير الداخلية، أنجزت المفتشية العامة للإدارة الترابية تقريرًا تفصيليًا حول تدبير مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم الجديدة بين 2019 و2022.
النتائج؟ صادمة، تنذر بهدر تنموي ممنهج، وفساد إداري مقنع بثوب التنمية الاجتماعية.
نصف الميزانية تبخّر.. وأين ذهبت الـ 250 مليون درهم الباقية؟
رُصدت اعتمادات مالية بقيمة 522,5 مليون درهم لتمويل المشاريع خلال الفترة المعنية، غير أن ما نُفّذ فعليًا لم يتجاوز 269,7 مليون درهم، أي فقط 51,4%.
الفرق المالي المهول هذا ليس مجرد رقم، بل مرآة لواقع محبط… عنوانه: مشاريع متوقفة، ووعود معلقة، وحسابات لا تُراجع.
مسؤولون منتخبون في قلب تضارب المصالح
التقرير وجّه أصابع الاتهام إلى أسماء بارزة في الإقليم، من بينهم:
- برلماني ورئيس جماعة مولاي عبد الله
- مدير مهرجان “ملحونيات”
- مسؤول بعمالة الجديدة
- رئيس جمعية APOS
- مديرة مركز علاج فيزيائي استفادت من تجهيزات
- مديرة منصة الشباب
- ومسؤول جمع بين إدارة منصة الشباب والعمل لدى شركة خاصة فوّترت خدماتها بمبالغ مشبوهة.
الجمعيات تحت الضوء: دعم بدون حسيب ولا دفتر تحملات
كشفت الوثائق أن العديد من الجمعيات الممولة من المبادرة حصلت على دعم دون اللجوء إلى طلبات العروض، وعلى رأسها جمعية APOS التي استفردت بأكثر من 75 مليون درهم.
أما جمعية APDS فاستفادت من 2 مليون درهم لمشروع لم يُعرض حتى على لجنة القيادة.
النتيجة؟ مشاريع غير مؤهلة، صفقات مشبوهة، وتكليف مباشر دون شفافية.
نفقات شخصية بمال الشعب.. باسم التنمية
جمعية APOS متهمة باستعمال أموال المبادرة لتمويل سفر وفحوصات وتجهيزات خاصة دون احترام بنود الاتفاقيات، في خرق سافر للغرض الاجتماعي والإنساني الذي وُجدت من أجله هذه الأموال.
مشاريع توقفت في منتصف الطريق.. وسرّية في تسليم شهادات المطابقة
من بين المشاريع التي عرفت تعثرًا أو لم تُشغل أبدًا:
- دار الطالبة بأولاد فرج
- المجمع الاجتماعي بالجديدة
- دار الفتاة بشعيبات
- 12 مشروعًا آخر بسبب غياب العقار أو ضعف الدراسات
كما كشف التقرير عن شهادات مطابقة مزورة سلمت لشركات متقاعسة، مثل “ESALE TRAVAUX”، رغم تنفيذها لأشغال مخالفة.
مكاتب دراسات بلا ترخيص.. وكلفة مضخمة بلا مبرر
مكتب الدراسات BETZA احتكر جل الدراسات، رغم عدم توفره على التراخيص المعمارية، وفرض أتعابًا وصلت أحيانًا إلى 6%، أي أكثر من ضعف الحد القانوني (2.5%)، مع تسجيل تلاعبات تقنية ومعمارية في مشاريع عدّة.
وفيات، توقيفات، وتعتيم على المشاريع المتعثرة
في مشروع دار الفتاة بشعيبات، توقفت الأشغال بسبب وفاة مدير الشركة المنفذة، دون أي ضمانات بديلة.
الأخطر أن قسمي العمل الاجتماعي والجماعات المحلية بعمالة الجديدة، بحسب التقرير، ضللا اللجنة الوطنية بتقارير مغلوطة، وواصلوا تجديد الدعم لجمعيات فشلت سابقًا في تنفيذ التزاماتها.
ختامًا: تنمية بلا ضمير، ومحاسبة غائبة
ما جاء في التقرير لا يمثّل فقط خرقًا إداريًا أو فسادًا ماليًا، بل هو تجريد للفئات الهشة من فرصها في العيش الكريم، وتلاعب مباشر بمستقبل الشباب والنساء والمرضى والأطفال، الذين وُعدوا بمراكز ومشاريع… لم تكتمل، أو وُجدت فقط على الورق.
الرسالة أوضح من أي وقت مضى: التنمية بدون محاسبة تتحول إلى واجهة لتبييض الفساد.
هل يتحرك القضاء؟
أم يُطوى التقرير كما طويت مشاريعٌ كثيرة قبله؟