أكد حسن فرحان، القاضي برئاسة النيابة العامة، أن الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بأحداث العنف والتخريب التي رافقت بعض المظاهرات غير المرخص لها نهاية شتنبر الماضي، صدرت في آجال معقولة وضمن احترام تام لقواعد العدالة، نافياً ما يتم تداوله عن وجود “تسرع أو أحكام جاهزة”.
وقال فرحان إن جميع مراحل البحث والمحاكمة “جرت في شفافية كاملة”، بدءاً من لحظة الإيقاف إلى إعداد المحاضر، مع الحرص على احترام الإجراءات القانونية، مشدداً على أن “مزاعم الإكراه أو الاعترافات تحت الضغط لا أساس لها”.
أكثر من 3 آلاف موقوف أُفرج عنهم بعد التنقيط الأمني
وكشف فرحان أن السلطات أوقفت عدداً كبيراً من المشاركين في تلك الوقفات، تم الإفراج عن 3300 شخص منهم بعد التحقق من هوياتهم، بينهم عدد من القاصرين الذين سُلّموا لعائلاتهم.
أما المتورطون في أفعال وُصفت بـ“الخطيرة”، فقد بلغ عددهم 2480 شخصاً تمت إحالتهم على النيابات العامة بمختلف المدن، من بينها الرباط والدار البيضاء وطنجة وأكادير ووجدة، لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
اتهامات تشمل “العصيان المسلح” و“إضرام النار” و“التحريض”
وأوضح القاضي أن التحقيقات كشفت توفر أدلة كافية على تورط عدد من المتابعين في جرائم تندرج ضمن الجنايات والجنح الخطيرة، من بينها العصيان الجماعي المسلح، وإهانة موظفين عموميين أثناء أداء مهامهم، واستعمال العنف المفضي إلى جروح، إضافة إلى التحريض على ارتكاب جرائم، وتخريب الممتلكات، ونهب منقولات، وإضرام النار عمداً.
كما شملت الاتهامات جرائم تتعلق بتعطيل حركة المرور، وإلحاق أضرار بملك الغير، وحيازة أسلحة بطرق غير قانونية، في أفعال “تُهدد سلامة الأشخاص والممتلكات”.
“تدخلات القوات كانت قانونية” لحماية الأرواح والممتلكات
وشدد المسؤول القضائي على أن القوات العمومية تدخلت في إطار القانون، وفق ما تخوله النصوص المنظمة للتجمعات العمومية، بهدف حماية سلامة المواطنين وضمان النظام العام.
وأشار إلى أن بعض المتظاهرين ارتكبوا أفعالاً “بالغة الخطورة” مثل قطع الطرقات وإضرام النار، ما تسبب في إصابات خطيرة في صفوف عناصر الأمن وخسائر مادية جسيمة.
النيابات العامة: متابعة 2480 شخصاً.. نصفهم تقريباً في حالة اعتقال
وبحسب المعطيات التي عرضها فرحان، تم متابعة 2480 متهماً، من بينهم 959 في حالة سراح، بينما 1473 شخصاً تمت متابعتهم في حالة اعتقال.
غير أن هذا الرقم – يضيف المسؤول – “انخفض بعد صدور أحكام بالبراءة أو بالحبس موقوف التنفيذ، إضافة إلى إطلاق سراح عدد من الأحداث بعد تسليمهم لأولياء أمورهم”.
أحكام بالبراءة وأخرى تراعي الظروف الاجتماعية
وأوضح فرحان أن المحاكم راعَت الظروف الاجتماعية وعدم وجود سوابق قضائية لدى عدد من المتهمين، مما انعكس على الأحكام التي تراوحت بين سنة وخمس عشرة سنة سجناً، رغم أن بعض الجرائم يعاقب عليها القانون بثلاثين سنة.
وأشار إلى أن نسبة الأحكام بالبراءة بلغت 11.4 في المائة بالمحاكم الابتدائية وقرابة 9.7 في المائة بمحاكم الاستئناف، ما يعكس – بحسبه – “نزاهة القضاء وحرصه على تطبيق قرينة البراءة”.
“احترام كامل لحقوق الدفاع” وضمانات المحاكمة العادلة
وشدد القاضي على أن النيابات العامة درست الملفات “بدقة وتأنٍّ”، واستندت إلى أدلة مادية واضحة قبل اتخاذ أي قرار بالمتابعة، مؤكداً أن جميع المتهمين تم إشعارهم بالتهم الموجهة إليهم، ومكّنوا من التواصل مع محاميهم وعائلاتهم، كما حضر الدفاع إلى جانب عدد منهم أثناء التقديم أمام القضاء.
محاكم الأحداث: تغليب “المصلحة الفضلى للأطفال”
وفي ما يخص القاصرين، أكد فرحان أن المحاكم تعاملت معهم “بمقاربة إنسانية تراعي المصلحة الفضلى للطفل”، حيث قضت بتسليم 83 حدثاً لأولياء أمورهم بعد تقييم وضعهم الاجتماعي والنفسي.
قراءة ختامية: دولة القانون تحت مجهر الاحتجاج
تُبرز هذه المعطيات القضائية – وفق مراقبين – محاولة السلطات المغربية الموازنة بين حفظ النظام العام وضمان الحقوق الفردية، في ظل نقاش عام متزايد حول حرية التظاهر ومسؤولية الدولة في إدارة الاحتجاجات.
وبينما تُظهر الأرقام ميلاً إلى التخفيف في الأحكام واستحضار البعد الإنساني، يبقى الاختبار الحقيقي في قدرة المؤسسات على ترسيخ الثقة العامة في العدالة، وسط خطاب رسمي يؤكد أن “لا أحد فوق القانون، ولا أحد خارجه”.















