لم تكن الوقفات الاحتجاجية الأخيرة لعمال التوصيل العاملين مع شركة “غلوفو” مجرد غضب عابر، بل مرآة عاكسة لهشاشة مهنية تتجاوز هذه المنصة لتشمل عشرات المقاولات في المغرب. هؤلاء العمال، الذين يواجهون مخاطر يومية تصل حدّ حوادث السير، قرروا رفع أصواتهم ضد عقود لا توفر لهم أي حماية اجتماعية أو قانونية.
عقود المقاول الذاتي.. غطاء قانوني للهشاشة
وراء هذه الأزمة تكمن ممارسة باتت رائجة: تشغيل الشباب عبر عقود “المقاول الذاتي”. مقاولات ـ بينها حتى مؤسسات عمومية ـ تستغل عطالة الشباب وحاجتهم الماسة إلى الدخل، لتفرض عليهم عقوداً تجردهم من أبسط الحقوق التي يكفلها قانون الشغل، مثل التقاعد، التغطية الصحية، أو حتى الاستقرار المهني.
عمال مقنَّعون بغطاء “الاستقلالية“
الخبير في قانون الشغل ياسر السملالي يرى أن هذه العقود لا تعكس الواقع. فالموزعون، رغم توقيعهم على عقد تجاري، يخضعون عملياً لأوامر دقيقة من الشركة، يتعرضون لعقوبات في حال التأخير، ويرتدون زيّها ويحملون شعارها، ويتقاضون أجورهم منها. “هذه علاقة تبعية صريحة”، يؤكد السملالي، “ما يجعلهم في الحقيقة أجراء مقنّعين، لا مقاولين مستقلين”.
مكاسب للشركات.. وخسائر للأجير
بالنسبة للشركات، هذه الصيغة هي صفقة رابحة: لا تعويضات عن الطرد، لا ضرائب مهنية، ولا مساهمات في صناديق التقاعد أو التأمين عن فقدان الشغل. بينما يتحمل “المقاول الذاتي” بنفسه عبء الضريبة الفصلية (1 إلى 2% من رقم معاملاته) إضافة إلى 600 درهم كل ثلاثة أشهر لـCNSS، مقابل تغطية صحية محدودة لا تشمل باقي حقوق الضمان الاجتماعي.
القانون قد يعيد التوازن
لكن الصورة ليست نهائية. السملالي يؤكد أن “الواقع هو المحدد الحقيقي للعلاقة التعاقدية”. وفي حال رفع نزاع أمام القضاء، يمكن للمحكمة أن تعيد تكييف العقد على أنه “عقد عمل” بكل تبعاته الاجتماعية والضريبية. وهو ما قد يشكل سابقة لرد الاعتبار لآلاف العمال المقنَّعين الذين يختبئون وراء لافتة “المقاول الذاتي”.
صرخة لإنصاف “جيل التوصيل“
في النهاية، قضية “غلوفو” ليست حالة معزولة، بل عنوان بارز لظاهرة أوسع تهدد بتكريس سوق عمل هشّ ومفتّت. شباب يغامرون يومياً على دراجاتهم النارية، يواجهون المخاطر دون أي ضمان اجتماعي، فيما تستفيد الشركات من ثغرات قانونية. واقع يطرح سؤالاً ملحاً: متى تتحرك السلطات لإعادة الاعتبار لـ”جيل التوصيل” وضمان حقه في العمل الكريم؟