في مطلع أكتوبر 2025، وجدت الصحافة المغربية نفسها أمام مشهد غريب: لجنة مؤقتة انتهت ولايتها، ومجلس وطني انتهت صلاحيته منذ زمن، وحكومة تراقب بصمتٍ مقلق.
اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، المحدثة بموجب قانون 15.24، أنهت انتدابها بعد سنتين كاملتين دون أن تُخلف وراءها مجلساً شرعياً أو رؤية إصلاحية واضحة. وهكذا، دخل القطاع مرحلة “الفراغ الكامل” — قانونياً، مؤسساتياً، وحتى أخلاقياً.
الهيئات النقابية والمهنية التي كانت منذ البداية تحذر من الوصول إلى هذا المأزق، وجدت نفسها اليوم أمام واقع كانت تتخوف منه: لا تنظيم ذاتي، ولا تمثيلية شرعية، ولا حوار جدي مع الوزارة الوصية.
سنتان من الارتباك… وغياب الحوار
حين أُنشئت اللجنة المؤقتة سنة 2023، كان الهدف منها وضع حد لأزمة المجلس الوطني للصحافة وتجديد هياكله. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً.
فبدلاً من التهيئة لمرحلة إصلاحية، تحولت السنتان الماضيتان إلى زمنٍ ضائع، “التهمته المناورات وابتلعته الخلافات” كما وصفت النقابات المهنية.
اللجنة – التي رُوج لها كحل انتقالي – مارست سلطات مطلقة دون محاسبة، وأدارت القطاع كما لو كانت مؤسسة دائمة. أما الوزارة الوصية، فقد اكتفت بالمراقبة من بعيد، تاركة المجال للغموض والتأويلات.
مشروع قانون بلا تشاور… ورفض جماعي
بلغت الأزمة ذروتها حين تقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، دون أي حوار مع الجسم المهني.
النتيجة كانت صادمة: رفضٌ واسع من النقابات، والناشرين، والحقوقيين، وحتى من خمسة وزراء اتصال سابقين، إضافة إلى انتقادات مؤسستين دستوريتين استُشيرتا رسمياً في النص.
هذا الرفض لم يكن مجرد خلاف تقني، بل رفضاً لفكرة الهيمنة على مؤسسة يفترض أن تكون مستقلة، تعكس روح الصحافة لا إرادة السلطة.
أزمة الثقة… أم أزمة نوايا؟
ما يجري اليوم لا يمكن فصله عن سؤال أعمق: هل ما زالت الحكومة تؤمن فعلاً بحرية الصحافة كركيزة للديمقراطية؟
إن غياب الحوار وفرض القوانين من أعلى دون استشارة الفاعلين الميدانيين يكرّس الانطباع بأن “التحكم” عاد في ثوب جديد، وأن استقلالية الصحافة ما زالت رهينة حسابات بيروقراطية وضغوط خفية.
صرخة المهنة: نريد شراكة لا وصاية
في بيان مشترك، حمّلت المنظمات المهنية للحكومة كامل المسؤولية عن الفراغ الحالي، معتبرة أن اللجنة المؤقتة أصبحت منذ أكتوبر “كياناً منتهي الصلاحية قانونياً وأخلاقياً”.
وطالبت بإطلاق حوار وطني واسع يضم الصحافيين والناشرين والمركزيات النقابية، لوضع حد لحالة الاستثناء وإعادة بناء مؤسسة التنظيم الذاتي على أسس ديمقراطية ومهنية.
ما بعد الفراغ… إلى أين؟
القطاع الصحافي يعيش لحظة دقيقة، فموعد تجديد البطاقات المهنية يقترب، بينما الإطار القانوني المنظم في حالة شلل.
وفي ظل هذا الغموض، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل ستختار الحكومة إنقاذ الصحافة المغربية بالحوار، أم ستتركها تغرق في صمت مؤسساتي يُهدد مصداقيتها ومكانتها في المشهد الديمقراطي؟