الرباط – اتهمت فرق المعارضة بمجلس النواب الحكومة بالعجز عن تقديم رؤية اقتصادية واجتماعية جريئة في مشروع قانون المالية لسنة 2026، معتبرة أن الوثيقة “إدارية أكثر منها إصلاحية”، ولا ترقى إلى حجم التحديات التي تواجه البلاد.
وجاءت هذه المواقف خلال المناقشة العامة للمشروع أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، اليوم الثلاثاء، بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع.
الاتحاد الاشتراكي: مشروع بلا روح ولا أثر
في مداخلته، اعتبر رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، عبد الرحيم شهيد، أن المشروع “جاء عادياً كما وكيفاً في زمن استثنائي يتطلب جرأة أقوى وإبداعاً أعمق وجدية أكبر”.
وقال شهيد إن الحكومة “قدّمت ميزانية تقنية باردة”، خالية من مؤشرات الإنجاز والتقييم، متسائلاً عن “البدائل الحقيقية لإنعاش الاقتصاد الوطني ومواجهة المعيقات البنيوية التي تطوق الاستثمار وفرص الشغل”.
التقدم والاشتراكية: العناوين جميلة.. لكن المضمون لا يواكب
من جهته، سجل رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، أن توجهات المشروع تبدو “واعدة على الورق” لكنها لا تنعكس في التدابير العملية، قائلاً:
“هناك مجهود ميزانياتي، لكنه يسير بنفس المقاربات التي أثبتت محدوديتها طيلة السنوات الماضية.”
وأشار إلى أن المطلوب اليوم هو ميزانية تُترجم الدولة الاجتماعية إلى سياسات ملموسة، وليس مجرد شعارات في الوثائق الرسمية.
الحركة الشعبية: العدالة الجبائية والمجالية أولاً
أما رئيس الفريق النيابي للحركة الشعبية، ادريس السنتيسي، فشدد على أن النقاش المالي يجب أن يكون “واقعياً لا سياسياً”، داعياً إلى إصلاح ضريبي عادل يعيد التوازن بين الطبقات، وإلى دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة التي “تحافظ على الأمل في الهامش”.
كما دعا إلى تفعيل الجهوية واللامركزية بشكل أعمق، لما لهما من دور في تقليص الفوارق وتعزيز التنمية المحلية.
الدستوري الديمقراطي: الصحة والبحث العلمي في قلب الإصلاح
بدوره، نبّه رئيس الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، بلعسال الشاوي، إلى الخصاص الحاد في قطاع الصحة والأطر الطبية، مشيراً إلى أن “الإصلاح الصحي الترابي لا يمكن أن ينجح دون تحفيز الكفاءات وتحسين ظروف العمل”.
وأكد على أهمية الاستثمار في البحث العلمي والابتكار كرافعتين للسيادة الوطنية، مشيراً إلى أن “نتائج الأبحاث ما زالت حبيسة المختبرات بدل أن تتحول إلى حلول اقتصادية وصناعية عملية”.
العدالة والتنمية: مشروع بلا رهانات ولا رؤية ختامية
من جانبه، اعتبر رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، أن مشروع قانون المالية 2026 “يخلو من الرهانات الحقيقية”، مضيفاً أنه “كان يفترض، باعتباره آخر قانون مالية في عمر الحكومة الحالية، أن يقدم إجراءات جريئة وسريعة لتصحيح المسار، لكن ذلك لم يتحقق”.
الحكومة تدافع: أربع أولويات كبرى ومواصلة الإصلاحات
في المقابل، كانت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح قد أكدت، خلال عرضها أمام البرلمان، أن مشروع قانون المالية رقم 25-50 يقوم على أربع أولويات كبرى:
- توطيد المكتسبات الاقتصادية لتعزيز مكانة المغرب ضمن الدول الصاعدة،
- إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة،
- مواصلة ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية،
- الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية الكبرى والحفاظ على التوازنات المالية.
وقالت فتاح إن المشروع “يمثل استمرارية في نهج الإصلاح وتدبير المسؤولية في ظل ظرفية عالمية مضطربة”، مشددة على أن الحكومة “توازن بين الطموح الاقتصادي والاستقرار المالي”.
برلمان على إيقاع المساءلة
في مشهد يعكس حيوية الديمقراطية البرلمانية المغربية، تتقاطع الآراء بين معارضة ترى في الميزانية “حسابات بلا روح”، وحكومة تعتبرها “خطة متوازنة لإكمال أوراش الدولة الاجتماعية”.
ومع اقتراب موعد التصويت، يبقى السؤال المفتوح:
هل ينجح مشروع قانون المالية في استعادة ثقة الشارع، أم سيُسجّل كآخر ميزانية “باهتة” في ولاية حكومية على مشارف النهاية؟














