الغنوان عفيف بناني.. حين يرسم الخط مسارات الفكر داخل عوالم الفن

بوشعيب غيور17 مايو 2025آخر تحديث :
الغنوان عفيف بناني.. حين يرسم الخط مسارات الفكر داخل عوالم الفن

نادية الصبار

وسط عالم بصري يتجه أكثر نحو الاستهلاك والاستسهال، يبرز من يتشبث بجوهر الفن كفكر ومعمار. لا بوصفه زينة أو ترفًا عابرًا، بل باعتباره مشروعًا فلسفيًا يعيد مساءلة الجماليات من جذورها، ويقترح مسارًا بديلًا لما آل إليه التعبير التشكيلي اليوم.

وعلى ما يبدو؛ فقد قرر عفيف بناني ألا يقف مكتوف اليدين أمام موجة “التفاهة البصرية” – كما سمّاها ضمنيًا – بل أن يُعيد بناء الفن من أساسه، أن يُدخل في معركة “الخط” كجوهر، لا كأداة. هكذا، ولدت “النزعة الخطية” لا كرد فعل، بل كنتيجة لتأمل طويل في تاريخ الفن، من عصر النهضة حتى اليوم، من مايكل أنجلو إلى الانطباعيين، ومن رينوار إلى مونيه، ومن الكلاسيكية إلى الفوتوغرافيا.

هذا الفنان الذي يشبّه ما يحدث اليوم بـ”هرطقة جمالية”، ينتقد دون مواربة استسهال الفن، وتحوّله إلى مجرد تجربة سطحية تُقدَّم على هامش المعنى. في كلمته التي لم تكن مجرّد مداخلة بل بيانًا فنّيًا، هو الذي قال: “حتى تعريف كلمة الرسم يجب أن يُراجع.” وأضاف: “الرسم لا يُرى من قريب، بل من بعيد… هناك تُبنى المناظر وتظهر الشخصيات، هناك فقط تشتغل النزعة الخطية.”

في حديثه، يستعيد بناني لحظة الانقلاب الذي أحدثه التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر، متوقفًا عند أثره المدمر على تقاليد الرسم، حيث تقلص الطلب على لوحات المعارك، وحلّت الصور محل الخيال. لكنه يذكّر بأن الانطباعيين لم يستسلموا. بل، على العكس، قاموا بثورة جمالية. فهل يفعل بناني الأمر ذاته اليوم؟ هل تقف النزعة الخطية في موقع المقاومة، في مواجهة عالم استهلاكي يفتقر إلى العمق؟

“نحن في المغرب”، يقول، “ما زلنا نستهلك ما تنتجه تيارات الآخرين”، وهو ما يُشعره بالغبن، بل يدفعه لإعادة رسم السؤال الجوهري: لماذا لا يكون للمغرب تياره التشكيلي الخاص؟ من هذا الجرح، وُلد مشروع النزعة الخطية. لا مجرد تجربة بصرية، بل مسار فكري يستند إلى دراسة دقيقة لتاريخ الفن وتقنياته، ويقترح بناء لوحات فقط بخطوط، بعيدًا عن زخرفة اللون وميوعة التأويل.

من شخص واحد، بدأت الفكرة، لتصل اليوم إلى 32 فنانًا ضمن هذا التيار. “هناك من سمّاها حركة التراك (le trac)”، يحكي بنبرة فخر ممزوجة بتهكم على من أساءوا للفن، وحوّلوه إلى منتج تجاري دون بنية أو منطق. بناني يُصرّ على البُعد البنائي في العمل الفني: قواعد النسبة، المنظور، الضوء، الأسس الرياضية، هي بالنسبة له شروط الإبداع لا زينته.

عفيف بناني لا يُهادن، ولا يُجامِل، بل يتحدث من موقع العارف الذي يرى في الرسم بناءً لا لعبة، وفي الخط جوهرًا لا ترفًا، وفي النزعة التي يقودها دعوة لاسترداد الجدية من فوضى التجريب. من هناك فقط، يمكن للفن أن يستعيد هيبته، وأن يُبقي للمخيال متسعًا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة