في مشهد جيوسياسي متوتر ومعقّد في الشرق الأوسط، عادت الرباط لتؤكد موقعها كفاعل دبلوماسي محوري من خلال استضافتها للاجتماع الخامس للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، يوم 20 ماي الجاري، تحت شعار: “الحفاظ على دينامية عملية السلام: الدروس المستخلصة، النجاحات والآفاق“.
الاجتماع لم يكن مجرد تظاهرة دبلوماسية، بل رسالة سياسية قوية تقول: “البدائل عن حل الدولتين ليست سوى وصفات للفوضى“.
حقيقة دولية: لا خيار منطقي خارج حل الدولتين
اليوم، لم يعد حل الدولتين مطلبًا فلسطينيًا فحسب، بل تحوّل إلى الخيار الوحيد المتبقي على طاولة العالم.
كل البدائل الأخرى، من سيناريوهات “الدولة الواحدة” إلى “اللا حل”، أثبتت فشلها الذريع أو خطورتها الكارثية على استقرار الإقليم والعالم، وهو ما جعل من لقاء الرباط محطة مفصلية لإعادة التأكيد على هذا المسار باعتباره الطريق الوحيد نحو تسوية عادلة وشاملة.
توقيت حساس ومشاركون وازنون: الرباط تُصعّد دبلوماسيًا
ما يميز اجتماع الرباط ليس فقط رمزيته، بل توقيته الحرج وتنوع المشاركين، إذ حضر ممثلو أكثر من 50 دولة من مختلف القارات. النقاشات لم تقتصر على المبادئ، بل انصبت على العراقيل الهيكلية: من بناء مؤسسات الحكم الفلسطيني إلى خلق اقتصاد يعزز الصمود. فالسلام، كما أكدت الرباط، مشروع إنساني وتنموي قبل أن يكون اتفاقًا سياسيًا.
تهجير الفلسطينيين يعود للنقاش… وأفكار آيلاند تتسلل من جديد
في خلفية المشهد، عاد الحديث عن سيناريوهات التهجير القسري، مستحضِرًا أفكار غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الذي دعا في دراساته إلى إلغاء حل الدولتين، مقابل حلول بديلة مثل كونفدرالية أردنية فلسطينية، أو تهجير سكان غزة نحو سيناء مقابل تبادل أراضٍ.
أفكار تُخفي خلفها محاولات فرض واقع جديد يتعارض مع القانون الدولي، وتُذكّر بخطورة انزلاق المنطقة نحو الانفجار.
المغرب… وسيط بوزن ورمزية في قلب المعادلة
من خلال تنظيم هذا اللقاء بالشراكة مع هولندا، يقدم المغرب نفسه كوسيط محايد وفاعل، مستفيدًا من علاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف، ومن رمزية رئاسة الملك محمد السادس للجنة القدس.
الرباط لم تكتف بإعلان المواقف، بل تحوّلت إلى منصة دعم عملي وهادئ للقضية الفلسطينية، بعيدًا عن الخطابات الشعبوية أو الاصطفافات الانفعالية.
اعتداء جنين… اختبار ميداني للمواقف
الاعتداء على وفد دبلوماسي ضم ممثلين عن 25 دولة، من ضمنهم السفير المغربي، خلال زيارة لمخيم جنين، كشف عن حجم التحديات.
هذا الهجوم، الذي يُعد خرقًا صارخًا لاتفاقية فيينا، يؤكد أن غياب المحاسبة شجّع الاحتلال على الاستهتار بالقانون الدولي.
الحضور المغربي في جنين لم يكن رمزيًا فقط، بل جسّد التزامًا مبدئيًا يتجاوز الخطابات إلى الفعل الميداني.
من الرباط إلى نيويورك… خارطة طريق نحو التحرك الدولي
نجاح لقاء الرباط لا يُقاس بعدد الوفود أو خطابات التضامن، بل بتحوّله إلى نقطة انطلاق نحو تحرك دولي ملموس، من المقرر عرضه في مؤتمر نيويورك المرتقب في يونيو المقبل.
الوقت لم يعد في صالح الانتظار، والفراغ السياسي لم يعد مقبولًا، فالأزمات المفتوحة أصبحت عبئًا عالميًا لا يمكن التعايش معه إلى ما لا نهاية.
الخلاصة: حل الدولتين… الطريق الصعب، لكنه الوحيد
وسط كل التحديات، يظل حل الدولتين هو الأفق الواقعي الوحيد. إنه الطريق الأصعب، لكنه الأجدى، والوحيد القادر على تحقيق سلام مستدام في منطقة تعبت من الأوهام والرهانات الخاسرة.
الرباط قالت كلمتها، والعالم بدأ يُصغي.