في سياق إقليمي مضطرب، يخطو المغرب بثبات نحو تعزيز موقعه الاستراتيجي في إفريقيا، مستفيدًا من الارتباك السياسي والأمني الذي تعيشه دول الساحل، عبر مشروع طموح يربط بلدانًا غير ساحلية بالمحيط الأطلسي، في ما يُعرف بـ مبادرة “الربط الأطلسي“ التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس أواخر 2023.
الداخلة… بوابة إفريقيا الجديدة إلى المحيط
يرتكز المشروع على إنشاء ميناء “الداخلة الأطلسي” بقيمة 1.3 مليار دولار، كممر بحري بديل للدول التي تعاني من العزلة مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو، نتيجة القطيعة مع دول “إيكواس” وتوتر العلاقات مع الاتحاد الإفريقي، إلى جانب القيود المفروضة على استخدام موانئ ساحل العاج، بنين، وتوغو.
من العزلة إلى الانفتاح… المغرب يقدّم نفسه كـ “هبة من السماء“
وزير خارجية النيجر، باكاري ياوو سانغاري، وصف المبادرة المغربية خلال زيارة رسمية إلى الرباط بأنها “هبة من السماء“، مؤكدًا أن المغرب كان من أوائل الدول التي تفهّمت موقف بلاده في لحظة كانت فيها “إيكواس” تدرس تدخلًا عسكريًا ضد النيجر.
الرباط تُعزّز أوراقها في الصحراء الغربية
بحسب تقرير وكالة فرانس برس، يُوظف المغرب هذا المشروع أيضًا لتكريس سيادته على الصحراء الغربية، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الإقليم في 2020.
كما يحظى المشروع بدعم قوى دولية مؤثرة، من بينها فرنسا، الولايات المتحدة، ودول الخليج، التي يُحتمل أن تساهم في تمويله.
جغرافيا بديلة في مواجهة التهديدات الجهادية
يتزامن المشروع مع تصاعد خطر الجماعات المسلحة في الساحل، بعد انسحاب القوات الفرنسية من عدة قواعد، مما يمنح المغرب فرصة لتعزيز موقعه كشريك موثوق من الجنوب العالمي، كما تقول الخبيرة بياتريس ميسا، في ظل فراغات جيوسياسية متسارعة في عمق القارة.
الطموح كبير… لكن البنية التحتية لم تكتمل بعد
رغم الرؤية الاستراتيجية، لا يزال المشروع في مراحله الأولى، حيث يتطلب بناء آلاف الكيلومترات من الطرق وخطوط السكك الحديدية.
ووفقًا للخبير سيديك أبا، فإن معظم الشبكات اللوجستية “غير موجودة حاليًا”، مشيرًا إلى أن الطريق الرابط بين المغرب وموريتانيا شبه مكتمل، في حين تُقدّر تكلفة إتمام الممر نحو تشاد بنحو مليار دولار.
تحديات أمنية قد تُعيق التنفيذ
يحذّر التقرير من أن استمرار عدم الاستقرار الأمني في دول الساحل قد يُهدّد جدوى المشروع على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما يضع المغرب أمام اختبار حقيقي لتحويل الرؤية الجيو-اقتصادية إلى واقع ملموس.