في لحظة فارقة من مسار الوساطة المؤسساتية بالمغرب، أماط تقرير مؤسسة وسيط المملكة لسنة 2024 اللثام عن مشهد معقد من التظلمات الإدارية، يعكس استمرار هيمنة ثالوث تقليدي على شكاوى المواطنين: الملفات الإدارية (2325)، والمالية (1761)، والعقارية (926)، وهي ملفات تغطي وحدها أزيد من 87% من مجموع التظلمات.
الإدارات تحت مجهر التظلم: الداخلية والمالية في الصدارة
التقرير، الذي قدّمه حسن طارق، وسيط المملكة، للملك محمد السادس، خلال ندوة صحفية عقدت اليوم الخميس 24 يوليوز 2025 بمقر المؤسسة، رصد تصدر قطاعات حساسة لقائمة التظلمات، أبرزها:
- وزارة الداخلية
- وزارة الاقتصاد والمالية
- وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني
وتأتي بعدها الجماعات الترابية، تليها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ثم قطاع الصحة والحماية الاجتماعية والتعاضديات، ما يكشف حجم التحديات اليومية التي تواجه المواطن في علاقته بالإدارة.
مركزية القرار… عقدة اللاتمركز الإداري
أحد أخطر ما كشفه التقرير يتمثل في الخلل الترابي لمراكز اتخاذ القرار، حيث تركّزت التظلمات ضد المصالح المركزية للوزارات، ما يفضح بطء أو فشل الانتقال الفعلي إلى منطق اللاتمركز الإداري، الذي طالما شكل شعارًا للإصلاح دون مضمون فعلي على أرض الواقع.
7948 ملفًا في سنة واحدة… والأمل في وساطة فاعلة
طيلة سنة 2024، توصلت المؤسسة بـ 7948 ملفًا، بينها 5755 تظلما بنسبة 72.41%، مقابل 2182 ملف توجيه.
أما المفارقة اللافتة فهي تواضع عدد ملفات التسوية الودية (11 فقط)، رغم أن هذه الأخيرة مثلت خلال السنة رمزية قوية، لا سيما في سياق أزمة طلبة الطب والصيدلة، لتعيد تسليط الضوء على أهمية إحياء ثقافة الوساطة بدل الصدام.
وسيط المملكة… ضمير حي في خدمة الحقوق
بعيدًا عن الأرقام، ينبض التقرير بنبض إنساني لآلاف المغاربة الذين طرقوا باب الوسيط، بحثًا عن العدالة، وعن صوت ينقل وجعهم من الهامش إلى مركز القرار.
إن مؤسسة وسيط المملكة لم تعد مجرد هيئة لتلقي الشكاوى، بل تحولت إلى بوصلة لمواطن يبحث عن كرامة مهدورة، وعدالة متأخرة.
رسالة إلى الدولة: التظلم ليس عيبًا… بل مؤشر عافية
ما بين العقار والمال والإدارة، تتوزع هموم المغاربة في علاقتهم بالسلطة العمومية.
وإن كانت الأرقام تعكس حجم المعضلة، فإن عمق الرسالة أبعد: المواطن المغربي لا يزال يؤمن بالدولة كمرجع للإنصاف، ما دام هناك من يصغي إليه.