تعيش الساحة السياسية المغربية حالة غير مسبوقة من فقدان الثقة. فحسب استطلاع رأي حديث، رفض أغلب المشاركين التصويت لأي من الزعماء الأربعة المتوقع ترشحهم لقيادة الحكومة المقبلة، وهم: عزيز أخنوش، عبد الإله بنكيران، نزار بركة، وفاطمة الزهراء المنصوري.
هذا الرفض لا يعبّر فقط عن امتعاض عابر، بل يكشف عن جفاء عميق بين المواطن والسياسي، نتيجة إخفاقات متراكمة في تدبير الشأن العام وفضائح زعزعت مصداقية النخبة السياسية.
متى انهارت الجسور بين المواطن والسياسي؟
تشير تعليقات المواطنين إلى جرح جماعي، سببه تخلي الأحزاب عن دورها الحقيقي في خدمة الشعب. كتب أحدهم:
“اللهم أبعدهم عنا جميعا، فهم يتشابهون في النتائج ويختلفون فقط في الطريقة والأسلوب… وفريستهم هو المواطن.”
تتكرر الرسائل الموجعة، كأنها صرخة مجتمع فقد بوصلته. فشل الأحزاب في ربط المسؤولية بالمحاسبة جعل السياسة في نظر كثيرين مرادفًا للفساد والتلاعب، وليست وسيلة للإصلاح أو خدمة الصالح العام.
عندما تُمنح الثقة لمن لا ينتمي
في خضم هذه الأزمة، برز دور وزارة الداخلية بقيادة عبد الوافي لفتيت، الذي نال ثقة ملكية استثنائية عبر تكليفه المباشر، بدلًا من رئيس الحكومة، بمهمة صعبة: ترميم علاقة المواطن بالسياسة.
خطوة تحمل دلالة قوية: الإصلاح لن يُترك هذه المرة بيد الأحزاب فقط، بل هناك إشراف مباشر من الدولة لإعادة الروح إلى الحياة السياسية.
بين الإدانة والفرصة الأخيرة
تعليق آخر كتب فيه مواطن:
“أنا مكرهتش يكون السيد معتوق لأن عنده مصداقية الكلام وحب الوطن، والله لن ولم نندم عليه.”
هكذا يُترجم المزاج الشعبي نفسه: إدانة للأحزاب التي خذلت المواطن، وتمسك بمن ما زالوا يمثلون حلمًا في التغيير الحقيقي. الكرة الآن في ملعب الأحزاب، فإما أن تعيد بناء الثقة، أو تترك المجال لبدائل قد تكسر القواعد القديمة.
ختامًا: هل تستفيق الأحزاب قبل فوات الأوان؟
التحرك السريع لوزير الداخلية بعقده اجتماعين وازنين مع زعماء الأحزاب، ينبئ بوعي حقيقي بخطورة المرحلة. الوطن لا يحتمل مزيدًا من النزيف، وأي استهتار بهذا المزاج الشعبي الغاضب سيكون مغامرة مكلفة.
لقد آن للأحزاب أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية، وتخرج من دائرة المحاصصة والمصالح الضيقة، نحو مشروع سياسي يُعيد الثقة ويخاطب إنسانية المواطن قبل جيبه وصوته.