برقية دبلوماسية فرنسية مؤرخة في دجنبر 1962، وُصفت بـ”السرية للغاية”، تزيح الستار عن واحدة من أقدم محاولات الجزائر المستقلة للتنسيق العسكري والاستخباراتي مع إسبانيا الفرانكوية، بهدف استهداف المصالح المغربية، وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر على استقلال الجزائر.
لقاء عند حدود الصحراء… ومقترحات تتجاوز “العلاقات الودية”
البرقية التي بعث بها السفير الفرنسي بالرباط، بيير دي لوس، إلى وزارة الخارجية في باريس، تسرد وقائع حدث جرى يوم 16 دجنبر 1962.
حينها، توجه ملازم في جيش التحرير الوطني الجزائري على رأس دورية آلية إلى القائد العسكري الإسباني في المحبس بمنطقة الساقية الحمراء، تحت ذريعة “إقامة علاقات ودية” مع سلطات مدريد في القطاع الحدودي مع تندوف.
لكن العرض الذي قدمه الضابط الجزائري كشف عن أهداف أبعد بكثير: تبادل منتظم للمعلومات حول المغرب، إنشاء اتصالات لاسلكية بشفرة مشتركة، وتنسيق ميداني بين دوريات الجيشين الجزائري والإسباني.
عداء ممنهج منذ الولادة السياسية للجزائر
الوثيقة تؤكد أن هذا التحرك لم يكن حادثاً عابراً، بل جزءاً من استراتيجية مدروسة وضعت فور إعلان استقلال الجزائر في 5 يوليو 1962.
محاولة بناء تحالف استخباراتي مع قوة أجنبية ضد جار مباشر، تكشف بوضوح عن نوايا عدائية مبكرة تجاه وحدة المغرب الترابية، وتنسف رواية أن الخلافات جاءت نتيجة أحداث لاحقة.
مؤشرات مبكرة على حرب الرمال
تكتسي الوثيقة أهمية مضاعفة بحكم توقيتها، إذ جاءت قبل أشهر قليلة من اندلاع حرب الرمال في أكتوبر 1963، وهو ما يوضح أن التوتر في المناطق الحدودية، خاصة حول تندوف، كان يتصاعد بتحركات جزائرية ممنهجة ومدروسة.
“مصدر يتوجب حمايته”
البرقية تختم بعبارة دبلوماسية لافتة: “هذه المعلومات من مصدر يتوجب حمايته“، ما يعكس حساسية المعطيات وقيمتها الاستخباراتية.
اليوم، وبعد أكثر من ستة عقود، تمنح هذه الوثيقة قراءة تاريخية موثقة لجذور التوتر المغربي-الجزائري، وتؤكد أن استهداف المغرب كان ثابتاً في السياسة الخارجية الجزائرية منذ اللحظات الأولى لتأسيسها.