كاتب رآي : مولاى إدريس الصراصيري
تؤكد الإحصائيات الرسمية أن نسبة مرتفعة من حوادث السير بالمغرب يكون طرفها مستعملو الدراجات النارية. معطى خطير يستدعي مقاربة وقائية، لكن ما جرى مؤخراً من حملات أمنية استهدفت الدراجات الصينية كشف عن أزمة أعمق: قانون مطبق بشكل انتقائي، وفئة اجتماعية هشّة تدفع وحدها الثمن.
زجر بلا بدائل
الحملات الأمنية التي رافقتها ضجة إعلامية، ركزت على مصادرة الدراجات وتحرير محاضر زجرية، في وقت يفتقر فيه الجنوب والبوادي إلى وسائل نقل جماعي تحفظ كرامة المواطن. بدل البحث عن حلول جذرية، تم إنزال عقوبات عمياء لم تراع الفوارق الاجتماعية ولا المجالية، ما عمّق الهوة بين النص القانوني وواقع الناس.
امتحانات مكلفة وتكوين هش
لا أحد يعارض مبدأ إلزامية رخصة السياقة، لكن المنظومة نفسها تطرح تساؤلات صادمة: لماذا يُمتحن سائق الدراجة في 46 سؤالاً، مقابل 40 فقط لسائق السيارة؟ ولماذا تتساوى كلفة الحصول على رخصة الدراجة مع رخصة السيارة؟ مدارس تعليم السياقة، بدورها، ما زالت تقدم دروساً سطحية لا تراعي خصوصية هذا الصنف، وهو ما يجعل التكوين مجرد إجراء شكلي.
بين الحاجة والاتهام
وراء كل دراجة قصة إنسان. مواطنون اضطروا لاقتناء دراجات صينية لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة والمناسبة لميزانيتهم. بعضهم بالكاد يقود بسرعة 40 كلم/س، لكنه يجد نفسه اليوم مهدداً بمصادرة وسيلته، لمجرد أنها تندرج في خانة “المستهدفين”. هنا يطرح السؤال: هل المشكل في وسيلة النقل أم في طريقة استعمالها؟
قانون أم مذكرة؟
الأخطر أن هذه الحملات استمدت مشروعيتها من مذكرة إدارية صادرة عن الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا)، وليست من قانون صادر عن البرلمان. ما يعني أن آلاف المحاضر قد تكون عرضة للبطلان أمام المحاكم، لأنها قامت على أساس إداري هش لا يرقى إلى مبدأ الشرعية القانونية الذي يضمنه الدستور.
تعليق الحملات… اعتراف أم مناورة؟
وسط الجدل، أعلنت السلطات تعليق الحملات ومنح مهلة 12 شهراً لتسوية الوضعية. قرار يطرح أسئلة جديدة: هل هو اعتراف غير معلن بوجود خلل قانوني؟ أم مجرد تأجيل لأزمة ستنفجر من جديد بعد سنة؟ وهل ستُستحضر فعلاً الأبعاد الاجتماعية والتنموية التي جعلت هذه الدراجات وسيلة لفك العزلة عن القرى والدواوير لعقود؟
مسؤولية موزعة لا انتقائية
العدالة في هذا الملف لن تتحقق بمراقبة مستعملي الطريق فقط، بل بامتدادها إلى المستوردين، مدارس تعليم السياقة، شركات التأمين، ولوبيات قطع الغيار. غير ذلك، سنظل أمام مقاربة انتقائية تحمّل المواطن الضعيف وزر منظومة بأكملها.
اختبار حقيقي للحكومة
تعليق الحملة ليس حلاً نهائياً، بل اختبار لقدرة الحكومة على تصحيح المسار. إما أن يتحول إلى فرصة لإصلاح تشريعي وتنظيمي شامل، أو يظل مجرد هدنة ظرفية قبل عودة الأزمة بشكل أعنف.
أكثر من عقوبة… الحاجة إلى رؤية
مكافحة حوادث السير لا تُختزل في مصادرة الدراجات أو فرض غرامات. المطلوب سياسة شمولية: دراسات علمية، بنية تحتية آمنة، إصلاح منظومة التكوين، مراقبة سوق الاستيراد، وتوفير بدائل نقل جماعي تحترم القدرة الشرائية. دون ذلك، سيظل القانون أداةً لشرعنة مزيد من الإقصاء بدل أن يكون وسيلة لحماية الأرواح.