في ذروة سنوات الجفاف القاسية، جاء القرار الملكي التاريخي بالدعوة إلى عدم ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى السابق، كخطوة صادمة في ظاهرها، لكنها أنقذت ما تبقى من القطيع الوطني.
الأرقام لا تكذب: العرض حينها لم يتجاوز 3.5 ملايين رأس من الأغنام والماعز، في وقت يتطلب فيه العيد أكثر من 6.5 ملايين رأس. لولا تلك المبادرة، لكان المغرب على موعد مع انهيار خطير في ثروته الحيوانية.
دعم مالي ضخم لمربي الماشية الصغار
الحكومة رصدت 11 مليار درهم لحماية القطيع، من خلال اقتناء الأعلاف، دعم إناث الماشية الموجهة للتوالد، التخفيف من مديونية المربين، وحملات التلقيح والتأطير.
المفارقة اللافتة أن المستفيدين الكبار لم يكونوا كبار الملاك، بل الكسابة الصغار:
- 90% من مربي الأغنام والماعز يملكون أقل من 50 رأساً.
- 74% أقل من 20 رأساً.
- 93% من مربي الأبقار أقل من 10 رؤوس.
أي أن الدعم استهدف العمود الفقري للهامش القروي المغربي.
أرقام تكشف حجم التحدي
عملية الإحصاء الوطني الأخيرة سجلت:
- 32.8 مليون رأس من الماشية عبر المملكة.
- 9.4 ملايين ولادة جديدة ما بين دجنبر 2024 وغشت 2025.
- 3.5 ملايين رأس من ذكور الأغنام خصصت لتموين الأسواق باللحوم الحمراء.
لكن الصورة ليست وردية بالكامل: - القطيع البقري انكمش بـ30% بسبب كوفيد والجفاف.
- الإبل تراجعت بـ30% نتيجة تدهور المراعي.
جهاز إداري ضخم خلف الأرقام
الإحصاء لم يكن مجرد جرد روتيني، بل تعبئة وطنية: 39.174 مشاركاً، موزعين على 2.822 لجنة محلية، من الداخلية إلى الفلاحة مروراً بالدرك والأمن والجماعات الترابية.
كل قطيع تم إحصاؤه على يد لجان ميدانية، بترقيم رسمي للحيوانات وإدخال المعطيات مباشرة في قاعدة بيانات مركزية بوزارة الداخلية.
دروس من الأزمة: السيادة الغذائية ليست شعاراً
تجربة الجفاف المرير أكدت أن الثروة الحيوانية ليست مجرد أرقام، بل هي أمن غذائي وركيزة اجتماعية لآلاف الأسر القروية.
منع ذبح الإناث، دعم الأعلاف، وضبط الاستيراد، كلها إجراءات تعكس معركة طويلة لتأمين اللحم والحليب على مائدة المغاربة.
الأفق: إعادة تشكيل القطيع الوطني
التعليمات الملكية واضحة: إعادة بناء قطيع أكثر صلابة واستدامة. لذلك ستواصل الحكومة دعم المربين، حماية الإنتاج الوطني، وضمان التوازن بين الاستهلاك والقدرة الشرائية عبر إجراءات ضريبية وجمركية ذكية.