شنت السلطات التركية، صباح الجمعة، حملة أمنية واسعة أفضت إلى توقيف 65 جنديًا وشرطيًا، في إطار ما تصفه أنقرة بملاحقة “فلول” شبكة الداعية الراحل فتح الله غولن، المتهم الرئيسي بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
ووفق وكالة الأناضول الرسمية، فإن 56 من المعتقلين هم عسكريون في الخدمة الفعلية، ألقي القبض عليهم في عملية منسقة شملت 36 محافظة، على رأسها إسطنبول. كما لا تزال الأجهزة الأمنية تطارد سبعة عسكريين آخرين صدرت في حقهم أوامر توقيف.
الشرطة في مرمى الحملة الأمنية
بالتوازي مع العمليات في صفوف الجيش، أفادت قناة هالك تي في أنه جرى توقيف تسعة عناصر من الشرطة، أغلبهم في مدينة إسطنبول، في سياق ما تسميه الحكومة “تطهير المؤسسات الأمنية من بقايا تنظيم غولن”.
الحملة الجديدة جاءت ضمن إطار أوسع لملاحقة ما تصفه أنقرة بـ”منظمة فيتو الإرهابية”، الاسم الرسمي الذي تطلقه السلطات على حركة “حزمت“، التي كان يتزعمها فتح الله غولن قبل وفاته.
غولن: من حليف موثوق إلى خصم مطلوب
فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ مطلع الألفية، كان حليفًا مقربًا من الرئيس رجب طيب إردوغان في بدايات حكمه. غير أن العلاقة بين الرجلين تحولت إلى عداء حاد ابتداءً من عام 2013، حين تفجرت فضيحة فساد مدوية تورط فيها مقربون من الحكومة.
وقتها، اتهم إردوغان قضاة يُعتقد أنهم من أتباع غولن، باستخدام جهاز القضاء لضرب حكومته من الداخل، لتبدأ بعدها أكبر عملية “تطهير مؤسساتي” في تاريخ تركيا الحديث، شملت الجيش، والشرطة، والقضاء، والتعليم، والإعلام.
حتى بعد وفاته.. غولن لا يزال حاضرًا
رغم وفاة غولن، فإن الدولة التركية تواصل ملاحقة من تعتبرهم “أتباعه السريين“ داخل المؤسسات الرسمية وخارجها. وتؤكد أنقرة أنها ستستمر في تعقبهم داخل البلاد وخارجها، في ما يشبه “مطاردة طويلة النفس” لأشباح ما تصفه بـ”الكيان الموازي”.
وتحمل الحكومة التركية الحركة مسؤولية اختراق أجهزة الدولة وتخطيط الانقلاب الفاشل عام 2016، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصًا، وتسبب في زلزال سياسي وأمني لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم.
حملة مستمرة تحت غطاء الأمن القومي
وتأتي هذه الاعتقالات في وقت تؤكد فيه أنقرة أنها لا تزال تواجه “تهديدًا داخليًا“ مصدره بقايا التنظيم الغولني، رغم مرور نحو عقد على القطيعة النهائية بين الرجلين، ورغم إخماد الانقلاب.
في المقابل، يرى مراقبون أن استمرار هذه الحملات يعكس مدى عمق التغلغل الذي تراه الدولة داخل مؤسساتها، وأيضًا سعي القيادة السياسية إلى إبقاء الملف حيًا لأغراض أمنية وسياسية.
في الأفق: معركة لا تنتهي
بين رواية السلطة التركية التي تعتبر حركة غولن “تنظيمًا سريًا خطرًا”، ورواية مناصريه الذين يصفونها بـ”شبكة مدنية تعليمية وخيرية”، تظل الحقيقة محاصرة بظلال الانقسام العميق الذي تركه غولن في السياسة التركية حتى بعد رحيله.
ما يبدو واضحًا هو أن الدولة التركية ماضية في تصفية هذا الملف حتى آخر مشتبه فيه، ضمن معركة لا تزال مفتوحة… حتى إشعار آخر.