مع اقتراب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يدخل ملف الصحراء المغربية مرحلة مفصلية، تقودها رؤية استراتيجية للملك محمد السادس، تنقل القضية من مجرد “تدبير للنزاع” إلى “تغيير في معادلاته” داخلياً ودولياً، وتؤسس لمرحلة الحسم النهائي لهذا الملف الذي طال أمده لعقود.
من التدبير إلى التغيير: رسالة ملكية صارمة
في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، وجه الملك محمد السادس إشارات قوية إلى أن المغرب لم يعد في موقع رد الفعل، بل قرر الانتقال إلى موقع المبادرة، وفتح جبهة الحسم السياسي والدبلوماسي، عبر توجيهات مباشرة لتسريع وتيرة إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء.
دعم بريطاني نوعي: قفزة ديبلوماسية جديدة
الإعلان البريطاني الأخير بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، المقدم سنة 2007، باعتباره “الأساس الأكثر جدية وواقعية” لتسوية النزاع، لم يكن مجرد موقف عابر، بل هو اختراق استراتيجي جديد يعزز الحصيلة الدبلوماسية للمغرب.
فبريطانيا، كعضو دائم في مجلس الأمن، تضع اليوم ثقلها إلى جانب واشنطن وباريس، ما يعني اقتراب لحظة الحسم على مستوى التصويت الأممي.
فيتو لا يُرعب المغرب: حسابات الربح واضحة
في مجلس الأمن، حيث يمتلك الأعضاء الدائمون حق الفيتو، لا يبدو أن أصدقاء المغرب “من الصين إلى روسيا” بصدد استخدام هذا الحق لتعطيل مسار تدعمه الأغلبية.
فحتى الامتناع عن التصويت، بحسب قواعد الأمم المتحدة، يسمح بتمرير القرار في حال دعمته 9 دول من أصل 15، وهو ما يبدو اليوم في متناول اليد.
الجزائر معزولة… والمناورة تضيق
على عكس التيار الدولي المتنامي نحو دعم مغربية الصحراء، تواصل الجزائر لعب دور الخصم الوحيد داخل مجلس الأمن. لكنها، في مقابل الدعم المتصاعد للمبادرة المغربية من قِبل دول غير دائمة العضوية وسحب اعترافات متوالٍ بـ”البوليساريو”، تجد نفسها في موقع عزلة دبلوماسية تتسع كل يوم، وتضعف قدرتها على التأثير أو المناورة.
اختراق في الشمال: أوروبا تغيّر بوصلتها
التحول النوعي في مواقف دول الشمال الأوروبي، التي كانت في السابق أرضاً خصبة لدعاية الانفصال، يمثل انتصاراً جديداً للدبلوماسية المغربية.
فالموقف البريطاني يُعد مفتاحاً لإعادة تشكيل مواقف عدد من هذه الدول بحكم علاقتها التاريخية بالتاج البريطاني، ما يوجه ضربة جديدة لتحركات خصوم الوحدة الترابية.
الإجماع الإقليمي: الحكم الذاتي خيار المستقبل
من إسبانيا، التي كانت سابقاً جزءاً من إشكال النزاع، إلى دول الاتحاد الأوروبي، تتعزز القناعة بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد القابل للتطبيق.
وتكتسب هذه القناعة زخماً حقيقياً في ظل التحولات الجيوسياسية الإقليمية وتغير توازنات المصالح.
رسالة الملك: آن أوان المبادرة والحسم
دعوة الملك محمد السادس للانتقال من “رد الفعل” إلى “أخذ زمام المبادرة” ليست مجرد شعار، بل هي خارطة طريق واضحة تتطلب تعبئة شاملة، وتكامل الجهود بين الدبلوماسية الرسمية والموازية، لتحصين المكاسب ومواجهة آخر جيوب المقاومة التي تعاكس مصالح المغرب الاستراتيجية.
عام 2025: المغرب يدخل سنة الحسم
كل المؤشرات تؤكد أن المغرب ماضٍ بثقة في حسم هذا النزاع المفتعل بعد نصف قرن من الصبر والتراكم.
ومع ترسانة من الحجج القانونية والتاريخية، ودعم دولي وازن، ودبلوماسية فاعلة ومبادِرة، يبدو أن صفحة الصحراء تقترب أخيراً من الطيّ النهائي… على الطريقة المغربية.