في وقت يراهن فيه العالم على التحول الرقمي، سجل المغرب رقمًا قياسيًا في الاعتماد على المعاملات النقدية.
فقد كشف بنك المغرب أن حجم النقود المتداولة ماديًا داخل الاقتصاد الوطني بلغ 414 مليار درهم مع نهاية 2024، أي أكثر من ضعف ما كان عليه في 2015 (192 مليار درهم).
نمو صاروخي… و5% زيادة في عام واحد
يشير هذا الارتفاع إلى معدل نمو سنوي بلغ 5% خلال سنة واحدة فقط، ما يعكس تمسكًا مستمرًا من قبل فئات واسعة من المواطنين والمقاولات “خاصة الصغيرة والمتوسطة” بـ”ثقافة الكاش”، في مقابل بطء التحول نحو الوسائل الرقمية.
الاقتصاد غير المهيكل يزدهر في ظل هيمنة النقد
الاعتماد المكثف على المعاملات النقدية يغذي الاقتصاد غير المهيكل، ويضعف الشفافية المالية، ويُسهّل ظواهر التهرب الضريبي وتفادي الرقابة الرسمية.
الكاش، إذًا، ليس مجرد وسيلة دفع، بل مظلة مثالية للاقتصاد غير المرئي.
خطة حكومية لردم الفجوة: رقمنة، تحفيز، وتقييد
في محاولة لاستعادة السيطرة، تعكف الحكومة على تنفيذ حزمة إجراءات جريئة تهدف إلى تقليص الاعتماد على النقد، من أبرزها:
- تسريع رقمنة الأداءات، وتوسيع استخدام وسائل الدفع الإلكتروني.
- تشجيع فتح الحسابات البنكية وربطها بتطبيقات الهواتف الذكية.
- فرض سقوف قانونية صارمة على التعاملات النقدية التجارية، مع إلزامية التصريح بالمعاملات الكبيرة.
ثقافة “اليد باليد”.. عائق بنيوي أمام الرقمنة
رغم الخطوات الإصلاحية، ما تزال هناك عوائق نفسية وبنيوية أمام مغادرة “منطقة الأمان النقدي”.
أبرزها ضعف الثقة في البنوك لدى فئات واسعة، إضافة إلى تشعب الاقتصاد غير المهيكل، الذي يرى في الكاش وسيلة للتحرر من الالتزامات الرسمية.
الرهان المستقبلي: الشفافية أولًا
الحكومة تراهن على أن رقمنة المدفوعات ليست مجرد تحديث تقني، بل مفتاح لتعزيز الشفافية المالية، ومحاربة التهرب الضريبي، ودمج النشاط الاقتصادي في القنوات الرسمية.
لكن هذا التحول يتطلب تغييرًا ثقافيًا عميقًا، قبل أن يكون مسألة قوانين أو تقنيات.