دخلت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسبانيا مرحلة من التوتر المتصاعد، بعدما شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً لاذعاً على مدريد خلال قمة حلف شمال الأطلسي المنعقدة في لاهاي، متهماً إياها بـ”عدم الالتزام” بتخصيص 5% من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات الدفاعية. وأكد ترامب أن إسبانيا “ستدفع الثمن تجارياً”، في تهديد ضمني بإمكانية فرض قيود اقتصادية أو تعليق اتفاقات ثنائية قادمة.
من بايدن إلى ترامب.. العلاقة تتدهور
الخلاف بين البلدين لم يكن وليد اللحظة، إذ بدأ منذ إدارة الرئيس جو بايدن واستمر مع عودة ترامب، الذي جعل من مساهمات الدول الأوروبية في ميزانية الناتو نقطة ضغط دائمة. وتُطالب واشنطن منذ سنوات حلفاءها الأوروبيين برفع ميزانياتهم الدفاعية، في خطوة تصبّ في مصلحة الصناعات العسكرية الأميركية، المزود الرئيسي للسلاح في القارة.
قاعدة “روتا” تحت المجهر.. والمغرب يدخل دائرة البدائل
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تساءلت وسائل إعلام أميركية عن مصير قاعدة “روتا” البحرية الأميركية في جنوب غرب إسبانيا، والتي تُعد نقطة محورية للعمليات العسكرية الأميركية في أوروبا والبحر المتوسط. ومع وجود أكثر من 2800 جندي أميركي على أرضها، أصبحت القاعدة جزءاً من النقاش الاستراتيجي داخل البنتاغون بشأن إعادة توزيع الانتشار العسكري.
ووفق صحيفة Financial Times، فإن وزارة الدفاع الأميركية تدرس فعلياً تقليص وجودها في “روتا”، في ظل عدم تجاوب مدريد مع متطلبات الناتو. هذه المراجعة فتحت الباب أمام خيارات بديلة، من بينها المغرب.
هل يكون المغرب البديل الاستراتيجي لواشنطن؟
بحسب تقارير مراكز بحث أميركية مثل معهد FPRI، يُنظر إلى المغرب كـ”شريك صاعد” يتمتع بالاستقرار السياسي والانخراط الجاد في التعاون العسكري مع واشنطن. وتشير المعطيات إلى إمكانية نقل بعض العمليات أو الأنشطة اللوجستية إلى مناطق استراتيجية شمال المملكة، قرب مضيق جبل طارق، بما يعزز الحضور الأميركي في نقطة عبور حيوية تربط المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط.
اتفاقيات دفاعية وتدريبات مشتركة تعزز الثقة
تأتي هذه التطورات في ظل توسّع ملموس في الشراكة العسكرية بين الرباط وواشنطن، حيث وقّع البلدان عدداً من الاتفاقيات تشمل تحديث المنظومة الجوية المغربية، وتكثيف التدريبات العسكرية المشتركة، خصوصاً في إطار مناورات “الأسد الأفريقي”، ما يعكس رغبة الطرفين في تعزيز التنسيق الاستراتيجي بعيد المدى.
نحو خريطة عسكرية جديدة في غرب المتوسط؟
بين تجاذبات ترامب وفتور مدريد، يبدو أن توازنات الناتو في حوض المتوسط تُعاد صياغتها. وإذا ما مضت واشنطن في خطواتها نحو المغرب، فقد نشهد تحولاً نوعياً في خارطة التموقع العسكري الأميركي في أوروبا وشمال إفريقيا، يُعيد ترتيب التحالفات ويعزز موقع الرباط كحليف موثوق للولايات المتحدة في المنطقة.