رغم مرور اثني عشر عاماً على صدور القانون الذي يمنح المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة 20% من الصفقات العمومية، لا يزال غياب المراسيم التطبيقية يضع هذه الفئة في مواجهة خسائر فادحة بلغت 68 مليار درهم سنوياً، في مشهد يعكس فجوة عميقة بين النصوص القانونية والواقع الاقتصادي.
تقاعس حكومي أم هيمنة الباطرونا؟
منذ 2013، بقيت بنود القانون حبراً على ورق، في وقت تتهم فيه الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى الحكومات المتعاقبة بـ”المماطلة الممنهجة” وتوجيه الصفقات نحو الشركات الكبرى والأجنبية.
عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية، كشف أن المقاولات الصغرى خسرت ما يزيد عن 700 مليار درهم منذ صدور القانون، بينما استحوذت الشركات الكبرى والأجنبية على صفقات تفوق قيمتها 2880 مليار درهم.
مسار نضال طويل… ووعود لم تتحقق
المطالبة بحصة لهذه الفئة ليست وليدة اليوم. فمنذ منتصف التسعينات، رفعت جمعيات المقاولين الشباب مطلب تخصيص ثلث الصفقات للشركات الناشئة. وبعد نضال طويل، تحقق إنجاز قانون 2013، لكن المراسيم التطبيقية ظلت غائبة.
اجتماعات رسمية عديدة، أبرزها مائدة مستديرة سنة 2019 حضرها رئيس الحكومة ووزراء ومؤسسات دولية، انتهت بوعود لم تجد طريقها للتنفيذ، فيما زادت جائحة كورونا من تعقيد المشهد.
أثمان باهظة: إفلاسات جماعية وبطالة متفاقمة
غياب التفعيل القانوني انعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني. فمنذ 2022، أعلنت 148 ألف مقاولة إفلاسها، وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 13%. أما القطاع غير المهيكل فبات يشكل 77.3% من القوى العاملة، وفق آخر تقرير للبنك الدولي، ليصبح خطراً يهدد التوازن الاجتماعي.
تشريعات جديدة… ومخاوف أكبر
ياسين عليا، الباحث في السياسات العمومية، أوضح أن مرسوم 2023 رفع النسبة المخصصة للمقاولات الصغرى إلى 30%، مع إدراج المقاولين الذاتيين ضمن المستفيدين، لكن قرار وزارة المالية اللازم لتفعيله لم يصدر بعد.
الأدهى أن مشروع قانون المالية الجديد يقترح العودة إلى 20% فقط، وهو ما اعتبره عليا “سابقة تشريعية قد تنسف المكتسبات” وتضعف نسيجاً يمثل 88% من مجموع المقاولات المغربية.
العدالة الاقتصادية المؤجلة
الحكومة، بحسب عليا، تمنح امتيازات ضريبية مغرية للشركات الكبرى تصل إلى 20%، بينما تُترك المقاولات الصغرى لمواجهة مصيرها. ويخلص إلى أن الحل الوحيد يكمن في إصدار المراسيم التطبيقية وحماية نسب التخصيص، باعتبارها الطريق نحو عدالة اقتصادية حقيقية تسمح لهذه الفئة بالنمو وخلق فرص الشغل والمنافسة على الصفقات العمومية.