استيقظت مدينة الداخلة، صباح اليوم، على فاجعة جديدة داخل إحدى وحدات تصبير ومعالجة السمك بالمنطقة الصناعية، بعدما أدى تسرب مفاجئ لغاز الأمونياك إلى وفاة عامل من دول جنوب الصحراء، ونقل آخر في حالة حرجة إلى المستشفى الجهوي الحسن الثاني، فيما جرى إسعاف عاملين آخرين نَجَوَا بأعجوبة بعد اختناقهما بالغاز.
غاز قاتل وصمت إداري
وفق المعطيات الأولية، وقع الحادث داخل وحدة تُعرف باسم “يونيـ…” حين تسرّب غاز الأمونياك المستعمل في منظومة التبريد، وهو من المواد الكيميائية شديدة السمية التي تُسبب اختناقاً فورياً عند استنشاقها في أماكن مغلقة.
الضحايا—الذين يشتغل بعضهم بدون وثائق أو تغطية صحية—كانوا في نوبة العمل الصباحية حين عمّ المصنع دخان خانق، قبل أن يُفقد الاتصال بهم داخل الورشة.
سباق مع الموت
هرعت عناصر الوقاية المدنية والسلطات المحلية والأمن الوطني إلى عين المكان، حيث باشرت عمليات الإخلاء والتهوية والسيطرة على مصدر التسرب لتفادي كارثة أكبر.
لكن، بالنسبة للعامل الإفريقي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وسط رفاقه، كان التدخل متأخراً. زملاؤه حملوا جثته بعيون دامعة، فيما نُقل الآخرون وسط صمت ثقيل يُخفي غضباً مكبوتاً.
أسئلة لا تحتمل التأجيل
الواقعة فتحت من جديد ملف شروط السلامة داخل مصانع تصبير السمك بالجهة، خاصة تلك التي تشغل عمالاً مهاجرين في ظروف غير قانونية وبدون تغطية اجتماعية أو حماية مهنية.
فهل سيتدخل مندوب الصيد البحري والسلطات الوصية للتحقيق في هذه الفضيحة، أم سيُطوى الملف كالعادة تحت مبررات “الخطأ التقني” و”الظروف القاهرة”؟
بين الهشاشة والصمت
حادثة الأمونياك بالداخلة ليست الأولى من نوعها، لكنها قد تكون جرس إنذار جديداً لواقع لا إنساني يتكرر داخل مصانع تعج بالعمال المهاجرين، يعيشون على هامش القانون، ويموتون في صمت خلف جدران باردة… جدران تصبّر السمك، لكنها لا تصبّر الحياة.