في الوقت الذي لا تزال فيه قنينة الغاز تشكل ركناً أساسياً في مطبخ كل بيت مغربي، تكشف الأرقام الرسمية أن الدعم الموجه لهذه المادة الحيوية يعيش منحنىً تنازلياً حاداً.
فخلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2025، بلغ استهلاك المغاربة ما يعادل 154.85 مليون قنينة من فئة 12 كيلوغراماً، بينما انخفضت تكلفة الدعم من 1.35 مليار درهم في يناير إلى 816 مليون درهم في غشت، أي تراجع يقارب 40 في المئة.
شتاء كثيف الاستهلاك وصيف خفيف اللهب
المعطيات الواردة في تقرير المقاصة المرفق بمشروع قانون المالية توضح أن أشهر الشتاء والربيع – يناير، أبريل، ماي – كانت الأعلى استهلاكاً، متجاوزة عتبة 20 مليون قنينة شهرياً، فيما انخفض الطلب خلال فصل الصيف، إذ لم يتجاوز 17.5 مليون قنينة في غشت.
ويعكس هذا التفاوت الموسمي ارتباط “البوطا” بأنماط الحياة اليومية للمغاربة، بين الدفء المنزلي شتاءً والاقتصاد في الاستهلاك صيفاً.
دعم في تراجع… وواقع يشتد حرارة
تقرير وزارة الاقتصاد والمالية يؤكد أن تكلفة الدعم تتبع اتجاهاً تنازلياً مستمراً، متأثرةً بتقليص الدعم لكل قنينة وتراجع الطلب.
فقد انتقل الدعم المتوسط الشهري من 1.306 مليار درهم سنة 2024 إلى 1.073 مليار درهم سنة 2025، في انعكاس مباشر لإصلاح منظومة الدعم الذي دخل حيز التنفيذ في ماي 2024، وقلّص دعم القنينة الواحدة بـ10 دراهم.
“53 درهما” ثمن الدولة لكل قنينة
بين يناير وغشت من سنة 2025، انخفض متوسط دعم قنينة الغاز (12 كلغ) من 64 درهما في يناير إلى 42 درهما في يوليوز، مسجلاً أعلى مستوى في فبراير (70 درهما)، بمتوسط عام قدره 53.47 درهما.
هذا التراجع الذي يناهز 14 في المئة مقارنة بسنة 2024 يُعزى، وفق التقرير، إلى انخفاض الأسعار الدولية للغاز، وإلى تحسن سعر الصرف، بالإضافة إلى الإصلاحات الحكومية التدريجية التي تستهدف ترشيد الدعم.
المغرب… المستورد الأول للغاز الأمريكي
ورغم هذا الانخفاض في الدعم، فإن المغرب يعزز موقعه كلاعب محوري في سوق الغاز العالمي.
فحسب التقرير ذاته، شكّل الغاز الأمريكي ما بين 64% و85% من الواردات المغربية خلال النصف الأول من 2025.
وبذلك، أصبح المغرب أكبر مستورد لغاز البوتان الأمريكي في العالم، بحصة بلغت 12.3% من إجمالي الصادرات الأمريكية، متقدماً على دول صناعية كبرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
ما وراء الأرقام… معادلة الحياة اليومية
وراء هذه المعطيات الاقتصادية الصارمة، تكمن قصة إنسانية لملايين الأسر التي تعتمد قنينة الغاز يومياً للطهي والتدفئة.
فكل درهم في سعر “البوطا” لا يُقاس فقط بمعادلات الدعم، بل بنبض معيش الناس. ومع اتجاه الحكومة نحو تقليص الدعم تدريجياً، تطرح الأسئلة نفسها بإلحاح:
هل تستطيع السياسات الاجتماعية القادمة حماية الفئات الهشة من لهب الأسعار؟
وهل يمكن تحقيق التوازن بين الإصلاح المالي والعدالة الاجتماعية في بلد تُشعل “البوطا” فيه نار المطبخ… ونقاش الاقتصاد في آن واحد؟