في مشهد يعكس الوعي المتزايد بأهمية التنمية الجهوية، احتضنت الرباط اليوم الثلاثاء لقاءً موسعاً جمع فاعلين اقتصاديين ومؤسساتيين لبحث سبل تعزيز الاستثمار وخلق فرص الشغل بجهة الرباط–سلا–القنيطرة.
اللقاء الذي نظمه المركز الجهوي للاستثمار بشراكة مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وبدعم من مؤسسات مثل أنابيك ومغرب المقاولات وتمويلكم، جاء تحت شعار لافت:
“الاستثمار في جهة الرباط–سلا–القنيطرة: معاً من أجل مناخ أعمال فعّال”.
الهدف كان واضحاً: ضخّ روح جديدة في الاستثمار، وتحفيز التشغيل، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمستثمر في أفق تنموي جديد.
115 مليار درهم.. أرقام تعكس الجاذبية
خلال اللقاء، تم استعراض معطيات تعكس الحيوية الاقتصادية التي تشهدها الجهة. فقد صادقت اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار سنة 2024 على مشاريع تفوق قيمتها 115 مليار درهم، مع توقع إحداث أكثر من 116 ألف منصب شغل.
أرقام ضخمة تُبرز مكانة الجهة كقطب اقتصادي صاعد، مدعوم ببنية تحتية متطورة ورأسمال بشري مؤهل، مما يجعلها من أكثر المناطق جذباً للاستثمار بالمغرب.
شراكة المؤسسات.. نحو رؤية موحدة
اللقاء كان أيضاً مساحة لتقاطع الرؤى بين القطاعين العام والخاص، حول كيفية تبسيط المساطر وتحفيز روح المبادرة وخلق انسجام مؤسساتي يخدم الاستثمار المنتج.
وأكد المتدخلون أن هذا المسار ينسجم مع التوجيهات الملكية السامية التي تروم تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات وخلق 500 ألف فرصة شغل في السنوات المقبلة.
محسن بنجلون: الجهة تتحول إلى قطب اقتصادي متكامل
مدير المركز الجهوي للاستثمار، محسن بنجلون، أبرز في كلمته أن جهة الرباط–سلا–القنيطرة أصبحت اليوم من أهم المحركات الاقتصادية في المغرب، مشيراً إلى أنها تحتل المرتبة الثانية وطنياً من حيث الناتج الداخلي الخام (بنحو 16%)، والثالثة في النشاط الصناعي.
وأضاف أن المرحلة المقبلة تتطلب تعبئة جماعية لدعم المستثمرين وتوضيح المساطر التنظيمية وتفعيل الحوافز المالية واللوجستيكية والبشرية، مؤكداً أن الثقة والاستمرارية هما مفتاحا جلب الاستثمار النوعي.
رشيد العبدي: من الجهة إلى الوطن
من جانبه، شدد رئيس مجلس الجهة رشيد العبدي على أن الرباط–سلا–القنيطرة تضطلع بدور محوري في التنمية الاقتصادية للمملكة، إذ تساهم بـ12% من المبادلات التجارية الوطنية، وتعدّ مركزاً حضرياً واقتصادياً حيوياً.
وأكد العبدي أن المجلس الجهوي يعمل على بلورة نموذج تنموي يقوم على الإنتاج وخلق الثروة والابتكار، مع دمج الشباب في الدورة الاقتصادية، داعياً إلى تعزيز الالتقائية بين المبادرات العمومية والخاصة وتبني مقاربة تقوم على النجاعة والتأثير الميداني.
أدوات الدعم.. من “أنابيك” إلى “تمويلكم”
خلال الجلسات، قدمت مؤسسات وطنية عروضاً حول برامجها لدعم التشغيل والاستثمار.
- أنابيك استعرضت برامجها في التكوين والإدماج وإنشاء المقاولات الصغيرة.
- تمويلكم عرضت برنامج MDM Invest لتشجيع استثمارات المغاربة المقيمين بالخارج.
- مغرب المقاولات قدّمت برنامج Go Siyaha الموجّه لدعم المشاريع السياحية المستدامة.
كما استعرضت وزارة السياحة مستجدات القانون 80.14 المتعلق بالمؤسسات السياحية، الذي يهدف إلى تحديث الإطار القانوني وتبسيط المساطر وتعزيز تنافسية الوجهة المغربية.
رؤية جديدة لمغرب الاستثمار
يُجمع المتتبعون على أن اللقاء لم يكن مجرد تواصل مؤسساتي، بل إعلاناً عن تحول في فلسفة التنمية الجهوية، حيث تتقاطع السياسات العمومية مع طموحات المستثمرين لإعادة بناء مناخ أعمال قائم على الثقة، والمواكبة، والنتائج.
الرباط–سلا–القنيطرة تكرّس اليوم مكانتها كمنصة استراتيجية للاستثمار والإنتاج، ورافعة حقيقية للنمو الوطني.