النقل عبر التطبيقات في المغرب.. بين مطرقة العقوبات وسندان التقنين

فؤاد القاسمي12 فبراير 2025آخر تحديث :
النقل عبر التطبيقات في المغرب.. بين مطرقة العقوبات وسندان التقنين

بقلم توفيق كريم

يشهد قطاع النقل الحضري في المغرب تحولات جذرية مع انتشار التطبيقات الذكية، التي فرضت نفسها كبديل حديث لوسائل النقل التقليدية. وبينما يرى المستخدمون في هذه التطبيقات حلاً عمليًا وسريعًا، تواجهها السلطات والنقابات المهنية بعين الريبة، معتبرةً إياها تهديدًا للإطار القانوني المنظم لقطاع سيارات الأجرة.

في ظل هذا الجدل، اتخذت وزارة الداخلية إجراءات صارمة بسحب “رخص الثقة” من السائقين المهنيين المتورطين في النقل عبر التطبيقات، مما فتح الباب أمام نقاش أوسع حول ضرورة تقنين هذا النشاط أو مواجهته بإجراءات أكثر تشددًا. فهل تتجه الحكومة نحو إدماج هذه الخدمات ضمن المنظومة القانونية أم أن المواجهة ستظل مفتوحة بين القديم والجديد في مشهد النقل المغربي؟

إجراءات صارمة ضد السائقين المخالفين
بدأت وزارة الداخلية المغربية في تنفيذ قرارات حازمة بسحب “رخص الثقة” من السائقين المهنيين الذين يمارسون النقل عبر تطبيقات التنقل الذكية، في خطوة تهدف إلى ضبط القطاع وتنظيمه.

وكشفت مصادر مطلعة أن سلطات جهة الرباط-سلا-القنيطرة شرعت في اتخاذ إجراءات تأديبية تشمل سحب الرخص لمدة تصل إلى 30 يومًا، مصحوبة بإلزام المعنيين بتقديم التزامات قانونية صارمة.

رد رسمي على احتجاجات مهنيي سيارات الأجرة
جاءت هذه التدابير استجابةً لتحركات الهيئات المهنية لسيارات الأجرة، التي اشتكت من المنافسة غير المنظمة التي تفرضها تطبيقات النقل الحديثة.

وأوضحت رسالة رسمية من الوالي محمد اليعقوبي أن مصالح الولاية عازمة على معالجة الاختلالات القانونية والتنظيمية التي يشهدها القطاع، مؤكدةً التزامها بحماية الإطار القانوني التقليدي لعمل سيارات الأجرة.

السائقون بين الإغراءات المالية والعقوبات الإدارية
أدى الإقبال المتزايد على النقل عبر التطبيقات الذكية إلى تحول العديد من السائقين المهنيين للعمل في هذا المجال، مستفيدين من أرباح مغرية وحرية أكبر في تحديد أوقات عملهم، بعيدًا عن أعباء كراء المأذونيات والتزامات “الروصيطا”.

إلا أن هذا التحول أثار جدلًا واسعًا في الأوساط المهنية، حيث اعتبرته النقابات محاولةً غير مباشرة لتطبيع النقل عبر التطبيقات خارج الإطار القانوني.

وزير الداخلية: حلول توافقية تلوح في الأفق
في ظل احتدام النقاش حول مستقبل القطاع، أكد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن الحكومة تعمل على إيجاد صيغة توازن بين نماذج النقل التقليدية والتطورات التكنولوجية. وأوضح خلال مداخلته أمام المستشارين البرلمانيين أن الوزارة تجري دراسات معمقة لبحث آليات تنظيم القطاع، مضيفًا: “نسعى إلى حلول ذكية تضمن خدمات نقل حضرية فعالة للمواطنين”.

اعتبارات أمنية تعزز التدخل الحكومي
أثارت أنشطة النقل عبر التطبيقات قلق السلطات الأمنية، خاصة مع لجوء بعض السائقين إلى استخدام هويات مزورة للتهرب من المضايقات التي يتعرضون لها من قبل سائقي سيارات الأجرة.

وكشفت مصادر أمنية عن عمليات تربص منظمة تستهدف سائقي التطبيقات، ما دفعهم إلى التنقل بهويات غير صحيحة خوفًا من التوقيف والملاحقة القانونية بتهمة “النقل السري” في ظل غياب إطار تشريعي واضح.

التقنين: ضرورة ملحة أم معركة مصالح؟
يبقى مستقبل النقل عبر التطبيقات في المغرب رهن توافق مختلف الفاعلين في القطاع. فوفقًا للوزير السابق محمد عبد الجليل، فإن إدماج هذه الخدمات في السوق يتطلب رؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار تحديات النقل الحضري واحتياجات المواطنين.

وتسعى وزارة النقل واللوجيستيك إلى بلورة تصور مستقبلي يضع حدًا للعشوائية ويؤطر استخدام التكنولوجيا في قطاع النقل العمومي.

وسط هذه التجاذبات، تتجه الأنظار إلى القرارات التي ستعتمدها الحكومة في الأسابيع القادمة، بين تأكيد هيمنة الإطار التقليدي للنقل وتبني نماذج عصرية تحقق التوازن بين حقوق المهنيين وراحة المستخدمين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة