لطالما اعتقدنا أن تجعد أصابع اليدين والقدمين بعد السباحة أو الاستحمام الطويل مجرد نتيجة لتشرب الجلد بالماء، لكن دراسة علمية حديثة قلبت هذا التصور رأسًا على عقب، مؤكدة أن السبب الحقيقي يكمن في استجابة عصبية ذكية، تُفعّل تلقائيًا لتحسين أداء الجسم في البيئة الرطبة.
وفي تجربة مثيرة أجراها الدكتور جاي جيرمان، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية بجامعة بينغهامتون الأمريكية، تم إخضاع ثلاثة متطوعين لنقع أيديهم في الماء لمدة نصف ساعة. والنتيجة؟ التجاعيد ظهرت بنفس الشكل والنمط الدقيق عند تكرار التجربة بعد 24 ساعة، ما يعني أن الآلية خلفها ليست عشوائية أو ناجمة عن امتصاص الماء، بل عن تفاعل فيزيولوجي منظم.
الأعصاب تتحكم.. لا الماء!
ويوضح الدكتور جيرمان أن ما يحدث فعليًا هو انقباض في الأوعية الدموية الدقيقة تحت الجلد، كرد فعل من الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يتحكم أيضًا في وظائف غير إرادية كالتنفس ونبض القلب. فعند غمر الجلد، تُفتح قنوات التعرق، ما يغيّر تركيبة الأنسجة ويحفّز الأوعية على الانكماش، مما يسحب الجلد نحو الداخل مسببًا تلك التجاعيد المميزة.
فائدة تطورية لا تُقدّر بثمن
لكن الأهم من ذلك، أن هذه التجاعيد لم تُخلق عبثًا. بل أظهرت الدراسات أن الأصابع المتجعدة تحسّن من قدرة الإمساك بالأشياء تحت الماء، كما تسهّل التحرك على الأسطح المبللة، وتقلل من فرص الانزلاق، ما يشير إلى أنها آلية دفاعية تطورية تُعزّز التكيّف في البيئات الرطبة.
وتضيف الدراسة، المنشورة في مجلة Journal of the Mechanical Behavior of Biomedical Materials، أن الأشخاص الذين يعانون من خلل عصبي لا تتشكل لديهم هذه التجاعيد، مما يعزز الفرضية بأن الجهاز العصبي هو المتحكم الأساسي في هذه الاستجابة الذكية.
الجلد يفكر… حين يكون الماء حاضرًا
في النهاية، لم تعد التجاعيد المائية مجرد علامة على “النقع الزائد”، بل رمزًا لوظيفة تطورية متقنة، تكشف كيف طوّر الإنسان آليات خفية لتعزيز أمانه وأدائه حتى في أبسط المواقف اليومية، كغمس اليد في الماء.