في وقت تغرق فيه الجزائر في عزلة سياسية خانقة، وتراجع واضح في نفوذها الإقليمي، يواصل المغرب التقدم بثبات على رقعة القارة، مرسخًا حضوره كقوة إقليمية صاعدة في الساحل والمحيط الأطلسي.
تقرير صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يكشف أن تعنت الجزائر في ملف الصحراء المغربية، وجمود اتحاد المغرب العربي، دفع الرباط إلى تبني رؤية إفريقية واسعة وطموحة، تعتمد مشاريع تنموية كبرى وتحالفات استراتيجية عابرة للحدود.
المبادرة الأطلسية… إعادة رسم خريطة الساحل
أحد أبرز هذه التحركات تمثل في إطلاق الملك محمد السادس، في نونبر 2023، “المبادرة الأطلسية“، التي تفتح أمام دول الساحل الحبيسة – مالي، النيجر، تشاد، وبوركينا فاسو – نافذة على المحيط الأطلسي عبر موانئ مغربية حديثة، وعلى رأسها ميناء الداخلة بالأقاليم الجنوبية. خطوة جريئة من شأنها إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي والتجاري في المنطقة.
الجزائر تخسر الجنوب وتلتفت شرقًا
مع تراجع حضورها في الساحل، اتجهت الجزائر نحو تونس وليبيا، فيما كانت الرباط تعمّق تحركها جنوبًا، مستندة إلى موقعها كبوابة طبيعية بين أوروبا وإفريقيا، وإلى شبكة علاقات تاريخية وثقافية مع دول جنوب الصحراء.
أرقام تعكس التحول
بين عامي 2000 و2017، وقع المغرب ما يقارب 949 اتفاقية تعاون مع دول إفريقية، شملت قطاعات الاقتصاد، البنية التحتية، التعليم، الأمن، والثقافة.
حتى أبريل 2025، افتتحت نحو 20 دولة إفريقية قنصليات في العيون والداخلة، فيما تواصل دول أخرى سحب اعترافها بالكيان الانفصالي الذي تدعمه الجزائر، وكان آخرها غانا.
معركة الغاز… مشاريع تتقدم وأخرى تتعثر
بينما يواجه مشروع أنبوب الغاز الجزائري–النيجيري عراقيل سياسية واقتصادية، يواصل المغرب الدفع بمشروعه الاستراتيجي المغربي–النيجيري، الذي قد يصبح شريان طاقة بين إفريقيا وأوروبا. إضافة إلى ذلك، دخل المغرب نادي أكبر خمس دول إفريقية منتجة للطاقة المتجددة.
قيادة إقليمية في لحظة فراغ
التقرير يؤكد أن رؤية المغرب ليست اقتصادية فقط، بل هي إعادة تموضع استراتيجي لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من الساحل، وتثبيت الرباط كقوة قيادية إفريقية، بينما تكتفي الجزائر بمراقبة المشهد من بعيد، وقد فقدت معظم أوراقها في القارة.