إعداد : يوسف كركار
تكشف القراءة التحليلية لمشروع ميزانية جهة العيون الساقية الحمراء لسنة 2026 عن استمرار نفس النهج المالي الذي طبع ميزانيتي 2024 و2025: أرقام ضخمة دون تفسير، اعتمادات مكررة دون أثر تنموي، ومظاهر عبث مالي تطرح أكثر من سؤال.
“تنشيط” بملايين الدراهم.. لكن لا أحد يعرف ماذا يُنشَّط
تخصص الجهة نصف مليون درهم سنوياً لما تسميه “مصاريف التنشيط”، منذ ثلاث سنوات متتالية، دون أي توضيح حول طبيعة هذه الأنشطة أو الجهات المستفيدة منها.
السؤال الذي يفرض نفسه: تنشيط ماذا؟ ولمن؟
الغياب الكلي للتفاصيل يجعل من هذا البند عنواناً للغموض المحاسبي الذي يلف جزءاً كبيراً من الميزانية.
أجور وتعويضات بلا لوائح ولا معايير
بلغت كلفة الأجور والتعويضات المخصصة للموظفين والمؤقتين 4.4 ملايين درهم سنوياً، دون نشر لوائح المستفيدين أو شرح طريقة توزيع هذه المبالغ.
أما تعويضات المسؤولية، فاستقرت عند 900 ألف درهم كل سنة، من دون أي توضيح للأسماء أو المهام.
إنها مصاريف تُصرف في الظل، في غياب الشفافية التي يُفترض أن ترافق المال العام.
إعانات رمزية وكراءات مثيرة للريبة
خصصت الميزانية 400 ألف درهم لإعانات عيد الأضحى، رقم يبدو رمزياً مقارنة ببنود أقل أولوية نالت أضعاف هذا المبلغ.
وفي المقابل، يُستنزف مليون درهم سنوياً في كراء البنايات الإدارية، دون تبرير واضح أو توضيح لطبيعة العلاقة بين الجهة والمالكين.
تساؤلات مشروعة تُطرح حول من يستفيد فعلاً من هذه النفقات.
صيانة بملايين الدراهم… بلا أثر على الأرض
تبلغ كلفة الصيانة الاعتيادية للبنايات الإدارية 3.2 ملايين درهم سنتي 2024 و2025، لتنخفض إلى 2.5 مليون درهم سنة 2026.
لكن دون أي تفاصيل عن طبيعة الأشغال أو الشركات المتعاقدة، تبدو هذه الأرقام أقرب إلى روتين مالي مكرور منه إلى استثمار في تحسين المرافق العمومية.
دراسات بملايين.. ونتائج غائبة
البند الأكثر إثارة للدهشة يظل هو “الدراسات العامة”، الذي رُصد له مبلغ ضخم بلغ 23.5 مليون درهم سنة 2024، قبل أن ينخفض إلى 3 ملايين درهم فقط سنتي 2025 و2026.
لكن لا أثر لتلك الدراسات، لا في الواقع التنموي، ولا في تقارير التقييم.
أي دراسات تلك؟ ومن أنجزها؟ وما جدواها؟ أسئلة تظل بلا إجابة.
ميزانية بلا تخطيط.. وغياب للحكامة
تكرار نفس الأرقام، بنفس الصياغة، على مدى ثلاث سنوات متتالية، يكشف غياباً مقلقاً لمفهوم الحكامة المالية داخل الجهة.
فبدل التقييم والمراجعة، يُعاد إنتاج نفس الوثيقة بأرقام فضفاضة وتبريرات غائبة.
ميزانية 2026 تبدو نسخة مستنسخة من سابقاتها، تُكرس منطق الترقيع المحاسبي بدل التخطيط الاستراتيجي، وتفتح الباب واسعاً أمام سؤال المساءلة والمحاسبة.