بقلم : هشام إتودي
فقدت الساحة الفنية المغربية اليوم واحداً من أعمدتها، برحيل الفنان الكبير عبد القادر مطاع، عن عمر ناهز 85 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض. غاب الجسد، لكن بقيت البصمة التي لا تمحى على خشبات المسرح وشاشات التلفزيون والسينما.
الخبر الذي أعلنت عنه الفنانة أمل التمار عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” نزل كالصاعقة على زملائه ومحبيه، لتعمّ موجة حزن عميق الوسط الفني والجمهور المغربي، الذي ارتبط باسم مطاع لعقود من الزمن كرمز للفن الأصيل والصدق الإبداعي.
من الكشافة إلى قلوب المغاربة
وُلد عبد القادر مطاع سنة 1940 بمدينة الدار البيضاء في أسرة بسيطة، وواجه منذ صغره تحديات الحياة بعد اضطراره إلى ترك الدراسة مبكراً. لكن القدر قاده إلى الفن عبر بوابة جمعية الكشافة، حيث اكتشف المسرح لأول مرة، لتبدأ رحلة تألق امتدت لعقود.
من العروض الصغيرة إلى النجومية، شق مطاع طريقه بثبات، حتى لمع اسمه في مسرحية “الصحافة المزورة”، التي فتحت له الأبواب نحو الإذاعة والتلفزيون والسينما، حيث أثبت تفوقه بموهبته الطبيعية وأسلوبه الصادق في الأداء.
بصمة خالدة في ذاكرة الفن المغربي
في سجل أعماله ما يصعب حصره، لكن يبقى فيلم “وشمة” (1970) للمخرج حميد بناني من أبرز محطاته السينمائية، إذ شكّل علامة فارقة في تاريخ السينما المغربية. كما تألق في أعمال تلفزيونية مثل “أمجاد محمد الثالث” و**“سيدي عبد الرحمن المجدوب”**، مجسداً أدواراً عميقة حفرت في ذاكرة المشاهد المغربي.
كان مطاع يتميز بنبرة صوته القوية وحضوره الطاغي على الخشبة والشاشة، ما جعله رمزاً لجيل ذهبي من الفنانين الذين حملوا همّ الفن والمسؤولية الثقافية بصدق نادر.
حين انسحب الضوء وبقي الأثر
في سنواته الأخيرة، عاش عبد القادر مطاع محنة المرض وفقدان البصر، لكنه ظلّ كبيراً كما عرفه جمهوره: شامخاً، هادئاً، متصالحاً مع ذاته. اختار الابتعاد عن الأضواء، تاركاً خلفه إرثاً فنياً وإنسانياً سيبقى شاهداً على زمن كانت فيه الدراما المغربية مرآة للصدق والجمال.
وداع بصوت ممتلئ بالامتنان
برحيل عبد القادر مطاع، تفقد الساحة الفنية المغربية أحد أكثر وجوهها نبلاً وعمقاً. رحل الجسد، لكن بقي صوت الفنان الذي كان يُجسّد الوطن على الخشبة، ويمنح للأداء روحاً لا تموت.
رحم الله الفنان الكبير عبد القادر مطاع، وأسكنه فسيح جناته.