كاتب رآي : عبد اللطيف قاسم
تشكل جهة درعة تافيلالت الواقعة في الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، نموذجا لتباين التنمية المجالية. فرغم ما تتسم به من ثراء في المقومات الطبيعية والبشرية، فإنها لا تزال تواجه إشكالات تنموية بنيوية، تبرز الفجوة بين المركز والأطراف.
ثروات طبيعية وبشرية تنتظر التثمين
تزخر الجهة بإمكانات اقتصادية هائلة، تؤهلها للعب دور رائد في الاقتصاد الوطني، ومن أبرزها:
– القطاع الفلاحي: تضم أكبر واحة في إفريقيا، وتعد منتجا رئيسيا لتمور “المجهول” ذات الجودة العالمية المتميزة.
– الطاقات المتجددة: تحتضن محطة “نور ورزازات” للطاقة الشمسية، إضافة إلى إمكانات واعدة في مجال الطاقة الريحية بمنطقة ميدلت.
– الثروات المعدنية: تساهم بنسبة تقارب 54% من الإنتاج الوطني للمعادن، مما يرفعها إلى صدارة المناطق التعدينية في المغرب.
– رأس المال البشري: يظهر سكان الجهة مستوى لافتا من التميز الأكاديمي والمهني في شتى قطاعات الدولة.
– الموروث الثقافي والسياحي: تتميز بوجود عدد كبير من القصور والقصبات التاريخية، التي تمثل مقوما سياحيا هاما.
تحديات وعقبات في وجه التنمية البنيوية
وبالرغم من تلك الإمكانات، فإن الجهة تواجه جملة من المعوقات البنيوية التي تقف حائلا دون تنميتها، من بينها:
– قصور البنية التحتية الأساسية: تعاني الجهة من غياب جامعة مستقلة أو مستشفى جامعي، مما يحد من فرص التعليم العالي والخدمات الصحية المتخصصة المتاحة للسكان.
– المركزية الإدارية: لا تزال العديد من مؤسسات الدولة المركزية مرتكزة في المدن الكبرى، على حساب الجهات النائية.
– ضعف التمثيلية: يلاحظ ضعف التمثيلية المؤسساتية والنقابية المحلية مقارنة بمراكز الجهات الأخرى.
إشكالية السياسات المائية والتنموية
تثير السياسات الزراعية والاقتصادية المتبعة تساؤلات حول قضية الاستدامة، حيث يتم تشجيع منتجات تستنزف الموارد المائية الشحيحة أصلا في المنطقة، في وقت يستورد فيه جزء كبير من الحاجيات الغذائية الاستراتيجية. ويزيد هذا النمط من الضغط على الأمن المائي، وهي قضية استراتيجية بالغة الأهمية في ظل ندرة المياه المتوقعة مستقبلا.
الفاعلون في عملية التنمية ومسؤولياتهم
تتقاسم عدة أطراف مسؤولية معالجة هذا الوضع التنموي المعقد:
– الدولة: عبر اعتماد سياسات إقليمية عادلة، وتوجيه الاستثمارات العمومية لتطوير البنى التحتية والخدمات الأساسية.
– الطبقة السياسية: بضرورة تجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة، لصالح وضع استراتيجيات تنموية طويلة الأمد للجهة.
– النخب المحلية: بتحمل مسؤوليتها في الإسهام الفعال في التنمية المحلية، والحد من ظاهرة هجرة الكفاءات.
– الجماعات الترابية: بضرورة تعزيز قدراتها التدبيرية، واعتماد الرقابة الفعالة لتحسين الحكامة المحلية.
واقع اجتماعي وصحي هش
تكشف المؤشرات الاجتماعية عن أوضاع صعبة في بعض المناطق، حيث تنتشر أمراض مرتبطة بالفقر كداء الليشمانيا.
كما أن البنى التحتية الأساسية تتعرض، كما تبين خلال الفيضانات الأخيرة، لهزات ترسخ هشاشتها.
رؤية مستقبلية مقترحة لتحقيق نقلة نوعية
لتحقيق نقلة نوعية في الجهة، يمكن اعتماد مقاربة تنموية متكاملة ترتكز على المحاور التالية:
– الاستثمار في رأس المال البشري والمحلي: عبر إنشاء جامعة ومؤسسات للتعليم العالي والبحث العلمي مرتبطة بخصوصيات المنطقة.
– تثمين القيمة المضافة للموارد المحلية: الاستفادة من الثروات الطبيعية (طاقة، معادن، منتجات فلاحية) لخلق فرص شغل محلية، وتطوير صناعات تحويلية.
– إصلاح الحكامة الترابية والحكامة الضريبية: تعزيز اللامركزية، ومنح الجماعات الترابية الموارد والصلاحيات الضرورية.
– اعتماد نموذج تنموي مستدام: يرعى الخصوصيات المحلية، ويحافظ على الموارد الطبيعية، ولا سيما المياه والواحات.
– ربط الجهة بشبكة النقل الوطنية والنقل الجوي: تطوير البنى التحتية الطرقية والسككية عبر نفق تيشكا ونفق تيزي نتلغمت والطريق بين ورزازات ودمنات.
وتوسيع النقل الجوي عبر المدن. لإدماج الاقتصاد الجهوي في الحلقة الاقتصادية الوطنية.
خاتمة
يمثل مستقبل درعة تافيلالت اختبارا حقيقيا لقدرة النموذج التنموي المغربي على تحقيق العدالة المجالية والاندماج.
إن تحقيق طموحات المغرب، بما فيه الاستضافة لحدث عالمي ككأس العالم 2030، يمر عبر بناء مغرب موحد، تصان فيه كرامة جميع المواطنين في كل أرجاء الوطن، وتستثمر فيه جميع الإمكانات التنموية دون استثناء.














