بقلم توفيق كريم
قبل نصف عام، كشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، عن معطيات مثيرة حول الاقتصاد المغربي.
أكد أن إجمالي المعاملات النقدية (الكاش) في المملكة بلغ 403 مليارات درهم، محذرًا من تداعيات هذه الظاهرة على الاقتصاد الوطني.
ورغم إشارته إلى أهمية هذا الملف، لم يوضح أن الجزء الأكبر من هذه الأموال ينبع من ظاهرة “التكنيز” أو الادخار النقدي غير الموجه.
الفرصة الضائعة: “كنز” بحاجة إلى استثمار
تصريحات الجواهري كانت بمثابة دعوة غير مباشرة للحكومة لاستغلال هذا “الكنز” المالي، خاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة تتسم بعجز هيكلي في الميزانية وتصاعد الدين العام إلى مستويات مقلقة.
وبينما تبحث الحكومة عن موارد جديدة لمواجهة هذه التحديات، أعادت الحياة إلى دورية مالية أُصدرت منذ عام، لكنها لم تُفعل إلا مؤخرًا.
الدورية 735: جدل الضريبة على الادخار
تُعد الدورية 735 من أكثر الإجراءات الجبائية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، حيث تفتح بابًا واسعًا للجدل حول مدى عدالة هذه التدابير وانعكاساتها على المواطنين.
التفاصيل المثيرة للجدل
- الأموال المودعة في الحسابات البنكية: لم توضح الدورية ما إذا كانت تستهدف الأموال المكتسبة من مصادر قانونية أم تلك الناتجة عن أنشطة غير مصرح بها. هذا الغموض أثار قلق المواطنين، مما قد يهدد الثقة في النظام البنكي.
- الأموال النقدية خارج النظام البنكي: تُلزم الدورية أصحاب المدخرات النقدية بوضعها في حسابات بنكية ودفع 5% كضريبة تسوية. خطوة أثارت تساؤلات عميقة حول عدالة فرض ضرائب على مدخرات شخصية جمعت عبر سنوات.
- المنقولات والعقارات: تُفرض ضرائب إضافية على الممتلكات غير المخصصة لأنشطة مهنية، رغم أن الرسوم الضريبية تُدفع عند التوثيق. هذه التدابير تزيد العبء على المواطنين وتفاقم ركود سوق العقارات.
تحديات التنفيذ: بين الطموح والمخاوف
تأمل الحكومة في جمع 10 مليارات درهم من خلال هذه الإجراءات، لكنها تواجه معضلات جوهرية، أهمها انخفاض الثقة في النظام البنكي واحتمالية انسحاب المواطنين من المنظومة الرسمية. ومن جهة أخرى، لا تملك السلطات آليات واضحة لتحديد أماكن وحجم الأموال النقدية غير المصرح بها، مما يضعف فرص تحقيق الهدف المنشود.
غياب الشفافية والنقاش العمومي
رغم أهمية الدورية وخطورتها، إلا أنها لم تحظَ بالنقاش العام اللازم لتوضيح أبعادها. وبدلًا من ذلك، تسود حالة من الغموض والارتباك بين المواطنين، خاصة مع التهديد بغرامات تصل إلى 37% في حال عدم الامتثال.
رسالة إلى الحكومة: الشفافية مفتاح الثقة
في ظل هذا الجدل، بات من الضروري أن تعتمد الحكومة نهجًا تواصليًا أكثر وضوحًا ومصداقية لشرح هذه الإجراءات. فتجنب النقاش العمومي وترك المواطنين في حالة من الهلع، لن يؤدي إلا إلى زيادة الانقسام والارتباك، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى حلول مبتكرة ومستدامة تعيد التوازن المالي وتعزز الثقة في المؤسسات.