في الوقت الذي يرفع فيه المغرب منسوب طموحاته البيئية عبر سيناريو “صفر انبعاثات”، تكشف المعطيات الرسمية عن واقع مغاير، بل ومقلق، فيما يخص استهلاك الطاقة.
وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة نشرت أرقامًا تُثير تساؤلات جدية حول انسجام الخطاب مع الفعل، والنية مع الاستثمار.
استهلاك يرتفع.. رغم وعود “الخفض“
بلغ استهلاك المنتجات البترولية في المغرب 12.4 مليون طن سنة 2024، بارتفاع قدره 6% مقارنة بسنة 2023، في وقت يفترض أن يتجه فيه المنحنى نحو الانخفاض بنسبة 41% بحلول 2030، وفق أهداف رسمية معلنة.
المفارقة الصارخة؟ المغرب يطلق مشاريع ضخمة لتوسيع قدرات التخزين، أكثر من نصفها موجه للغازوال، في وقت يُفترض فيه تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
خبير يقرع ناقوس الخطر: “رؤيتان تتصادمان“
في حوار مع جريدة فينونس نيوز، قدّم الدكتور محمد بويطي، الخبير في التحول الطاقي وإزالة الكربون، قراءة نقدية للوثيقة الوزارية، معتبراً أن الاستراتيجية المغربية تُعاني من “ازدواجية مقلقة”:
من جهة، تُبنى بنية تحتية ضخمة للغاز الطبيعي المسال (LNG) عبر موانئ الناظور والداخلة؛ ومن جهة أخرى، تُرفع شعارات إزالة الكربون وتحقيق الحياد المناخي.
ويُحذّر بويطي من أن التركيز على الغاز دون وضوح في الأهداف البيئية قد يؤدي إلى “تبعية طاقية جديدة“، تعاكس تمامًا روح اتفاق باريس وخطة المناخ الوطنية 2030.
تشريعات قديمة في معركة جديدة
يرى الخبير أن الإطار القانوني الحالي، خصوصًا القانون 67-15، لا يُواكب المرحلة، إذ يركّز على الأمن الطاقي دون أن يتطرق لتأثيرات المناخ أو يميز بين أنواع الوقود.
والنتيجة؟ مشاريع تُبرمج وفق منطق السوق والمخزون، لا منطق الاستدامة والمناخ.
غياب الشفافية… وخلل في الرؤية
من الانتقادات الرئيسية التي وجهها الخبير للوثيقة الوزارية، غياب معلومات محورية، منها:
- نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في المشاريع الجديدة
- توقعات تقليص الانبعاثات على المدى المتوسط
- حجم الانبعاثات غير المباشرة، خصوصًا من قطاع البناء الذي يمثل 23% من إجمالي الانبعاثات الوطنية
- مدى التوافق مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة
توصيات عملية لخطة حقيقية لا شعارات
يقترح الدكتور بويطي خارطة طريق واضحة من أربع نقاط لتفعيل انتقال طاقي منسجم وفعّال:
- إدماج معايير خفض الانبعاثات في الصفقات العمومية
- تحفيز ضريبي للمقاولات المنخرطة في الابتكار منخفض الكربون
- تحديد أهداف إلزامية لكل قطاع على حدة
- تخصيص تمويلات خاصة لإزالة الكربون في المقاولات الصغيرة والمتوسطة
نجاح مرهون بالشفافية والجرأة التشريعية
رغم أن المغرب استقطب 2.1 مليار يورو في قطاع الطاقات المتجددة بعد تحسين آليات التبليغ المناخي سنة 2022، إلا أن استمرار التردد في تكييف التشريعات يهدد بفقدان هذه الزخم.
ويختم الخبير قائلاً:
“نحتاج إلى إستراتيجية طاقية موحدة، لا تجميع مبادرات متفرقة.
فمستقبل المغرب في الطاقة يجب أن يُبنى على الوضوح، لا على التناقضات.”
الانتقال الطاقي، بحسب الدكتور بويطي، ليس حقل استثمار فقط… بل مصلحة وطنية عليا، يجب أن تتحرر من الحسابات الضيقة والمقاربات غير المنسجمة.